ليست قوالب وإنما طرق

ليست قوالب وإنما طرق

15 فبراير 2019
(من "مقهى ريش" في القاهرة، تصوير: جاسون لاركن)
+ الخط -

في مقدّمة الطبعة الثانية من كتابه "النقد الأدبي: أصوله ومناهجه" (1948)، التي أخذنا منها هذه المقتطفات، يردّ مؤلّفه سيّد قطب على من وجد أن في العمل اضطراب منهجي أو أنه بلا منهج.


وظيفة النقد الأدبي وغايته - كما أوضحتها في هذا الكتاب - تتلخّص في: تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية، وبيان قيمته الموضوعية، وقيمه التعبيرية والشعورية، وتعيين مكانه في خط سير الأدب، وتحديد ما أضافه إلى التراث الأدبي في لغته، وفي العالم الأدبي كلّه، وقياس مدى تأثّره بالمحيط، وتأثيره فيه، وتصوير سمات صاحبه وخصائصه الشعورية والتعبيرية، وكشف العوامل النفسية التي اشتركت في تكوينه والعوامل الخارجية كذلك.

ومن هذا البيان الموجز، نستطيع أن ندرك موقفنا في "النقد الأدبي"، سواء في القديم أو في الحديث، ونقيس خطواتنا إلى مداه، ونعرف كم بلغنا في تكوين هذا الفصل المهم من مكتبتنا الأدبية.

ولقد خطونا خطوات لها قيمتها قديماً وحديثاً - ما في ذلك شك - ولكننا لم نزل بعيدين عن الكمال، أو ما يشبه الكمال في هذا الاتجاه.

وأوّل نقص ملحوظ أنه ليست هناك أصول مفهومة - بدرجة كافية - للنقد الأدبي، وليست هناك "مناهج" كذلك، تتبعها هذه الأصول. ومعظم ما يكتب في النقد الأدبي عندنا اجتهاد، وذلك طبيعي ما دامت "الأصول" لم توضع، و"المناهج" لم تُحدّد بالدرجة الكافية.

هناك دراسات تطبيقية للأدب والأدباء - وهي كثيرةٌ متنوّعة - ولكن هذا شيء آخر غير الدراسات النقدية التي تتولّى الحديث عن النقد: أصوله ومناهجه، فتضع له القواعد، وتقيم له المناهج، وتشرع له الطريق.


■ ■ ■


وقد يرى القارئ بادئ ذي بدء أنني آثرت "المنهج الفني" على المنهجَين التاريخي والنفسي، ولكنه حين ينتهي من قراءة الكتاب، سيرى أن المنهج المختار هو "المنهج المتكامل" الذي ينتفع بهذه المناهج الثلاثة جميعاً، ولا يحصر نفسه داخل قالب جامد أو منهج واحد.

فالمناهج إنما تصلح وتفيد حينما تتخذ منارات ومعالم، ولكنها تفسد وتضر حين تجعل قيوداً وحدوداً، فيجب أن تكون مزيجاً من النظام والحرية، والدقة والابتداع. وهذا هو المنهج الذي ندعو إليه في النقد والأدب والحياة!

هذه المناهج وتلك الأصول لم أرد كما قلت أن أحمل النقد العربي فيها على مناهج أجنبية عنه... ولعل هذا الاستقلال هو الذي حمل بعض من يحسبون أنفسهم في قواعد مقتبسة، وقوالب مقرّرة، على أن يقولوا: إن في هذا الكتاب اضطراباً في "المنهج" أو أنه لا منهج له؛ عندما ظهرت طبعته الأولى.. ذلك أن فهمهم للمنهج محدود بقالب تقليدي معيّن، مستعار من النقد الأوروبي وتاريخه.

ولست أرى أن أدخل مع هؤلاء في جدل. فأنا أعرف طريقي، وأعرف أن مناهج النقد وأصوله ليست قوالب جامدة، وأن كل نقاد مبتكر طريقته... ثم يجيء مؤرّخو المذاهب النقدية فيضعون الوصف الذي يرونه لهذه الطريقة أو تلك كما يشاءون.

ولست حريصاً على أن يقول المؤرّخون: إنني اتّبعت هذا المذهب أو ذلك!

المساهمون