ما الذي يعنيه اليوم الرجوع إلى ماركس؟

ما الذي يعنيه اليوم الرجوع إلى ماركس؟

30 مايو 2018
(باديو في مكتبته، تصوير: أولف أندرسن)
+ الخط -

خصّ المفكر الفرنسي آلان باديو "العربي الجديد" بهذا المقال، وذلك بمناسبة المئوية الثانية لميلاد ماركس. وهو ينتقد فيه استعمالات ماركس الأكاديمية، مؤكداً على دوره كـ "مثقف عضوي". وبغض النظر عن اتفاقنا مع رؤية المفكر الفرنسي لماركس، والذي يعتبره مرجعية لا محيد عنها لكل فكر نقدي ولكل ممارسة نقدية ضد السيطرة المعولمة للرأسمالية، وبغض النظر أيضاً عن فرضيته أو عن حلمه الشيوعي الذي لم تزده النزعات التوتاليتارية والهزائم الصارخة للشيوعيات المختلفة إلا تشبثاً به، يظل آلان باديو بدوره، ودفاعه عن ماركسية نقدية، مرجعية لكل من يفكر اليوم جدياً في المصير الرأسمالي، أو بلغة آشيل مبيمبي، في المصير "الزنجي" للبشرية.


لأننا لا نتذكر أن العنوان الحقيقي لـ"رأس المال" هو "نقد الاقتصاد السياسي"، فإننا غالباً ما نختزل ماركس في فكر تحليلي للتنظيم الاقتصادي للمجتمعات، ليجد ماركس نفسه في النهاية، وبين ظهراني أعدائه الدائمين، مثل كاتب بمسار أكاديمي في العلوم الاجتماعية. فرضُ هذا الطابع الأكاديمي على ماركس، سمح بفصله عن خَلفه: لينين، ماو، وعبر ذلك، تجنيبه مصيرهم كـ"توتاليتاريين" ملعونين.

لكن حياة ماركس، وعمله وكتاباته، تشهد على عكس ذلك. فالهدف الذي كان يطلب تحقيقه، دون تراخٍ، هو ولادة وانتشار منظمة دولية للبروليتاريا. لقد كان مع إنغلز، مثل لينين مع تروتسكي، وماو مع تشوان لاي، وكاستور مع تشي غيفارا، المناضل وقائد الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف في ظروف عصره، حين بدأت الفكرة الشيوعية بالإعلان عن نفسها.

وأريد هنا أن أستشهد بفقرتين من "البيان الشيوعي" تلخصان التوجه الأساسي الذي ما زال يربطنا بماركس: "إن الشيوعيين لا يكوّنون حزباً مختلفاً، معارضاً للأحزاب العمالية الأخرى. ولا يملكون أي مصالح تفصلهم عن البروليتاريا عموماً. وهم لا يعلنون عن مبادئ طائفية، يطلبون عبرها تحديد شكل الحركة العمالية. إن الشيوعيين يختلفون عن الأحزاب العمالية الأخرى في نقطتين: الأولى أنهم في مختلف النضالات القومية للبروليتاريا يعطون الأولوية ويدعمون تحقيق المصالح المشتركة للبروليتاريا. والثانية أنهم في مختلف مراحل تطوّر الصراع بين البروليتاريا والبورجوازية، فإنهم يمثلون دائماً وفي كل مكان مصالح الحركة في العموم".

الفقرة الثانية تقول: "باختصار، يدعم الشيوعيون، في كل مكان، كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم للأشياء. وفي كل هذه الحركات، أعطوا الأولوية لسؤال الملكية، بغضّ النظر عن الشكل الذي تتخذه هذه الملكية، سواء كان أكثر أو أقل تطورا، باعتباره السؤال الأكثر جوهرية بالنسبة للحركة".

باختصار، يشارك المناضل في كل الحركات التي يبدو أن الذاتية المسيطرة فيها، معارضة واقعية للنظام السائد. لكنه يحاول بكل الوسائل أن تكون الكلمة العليا للمبادئ الثلاثة الآتية: أوّلها الأممية، والتي تمنع أن تفسح الحركة المكان للقومية، للحديث مثلاً عن "فرنسا" ومصالحها، حتى في ظل الشكل الحالي لصنمية "جمهوريتنا". وأقل من ذلك أن يتسامح مع كل ما يرتبط بآثار الاستعمار: العنصرية، الإسلاموفوبيا، وغيرهما من عناصر الثقافة الرأسمالية المعاصرة.

ثانياً، إخضاع ما هو ضرورة تكتيكية للاستراتيجية العامة، "الحركة عموماً"، والتي تهدف أولاً إلى إضعاف النظام الرأسمالي والبورجوازي، وفي الأخير إلى تدميره. وسنتجنّب كل شكل من أشكال الدعم الدائم، بما في ذلك الانتخابي أو النقابي، لتلك القوى التي من الواضح أن هدفها هو احتلال مواقع سلطة ضمن النظام السائد. ولن نستعمل البتة التصنيف الذي تعبر عن نفسها فيه كل الخيانات، وأعني تصنيف "اليسار".

النقطة الثالثة تتعلّق بمسألة الملكية البورجوازية والضرورة المطلقة لإلغائها. يشير ماركس إلى ضرورة أن يسود هذا المبدأ بغض النظر عن الشكل المتطوّر أو غير المتطور الذي تتخذه الملكية. واليوم، فإن هذا الشكل متطرف بالمعنى الحرفي: ففي العالم هناك 100 شخص يمتلكون ما يمتلكه ملياران من البشر. وحكومة ماكرون تريد أن تتماشى مع هذا النوع من المعايير.

ومن هنا، فإن الواجب النضالي يقول لنا اليوم: في كل حركة، يتوجّب اليوم تأكيد الرفض التام، ليس فقط لعمليات الخصخصة التي تجري الآن (الجامعة، السكك الحديدية، المستشفيات ...) ولكن لكل تلك التي ساهم فيها اليسار كما اليمين منذ عام 1983، واقتراح أشكال جديدة للملكية العامة لكل ما يخص الصالح العام. والأولوية تكون للتعليم، الصحة، ووسائل النقل، وسائل الاتصال (البريد، الهاتف والإنترنت)، والطاقة والماء الشروب.

في سياق الصراع بين الطريق الرأسمالية، والتي تمتلك اليوم قوة غير مسبوقة، والطريق الشيوعية التي تتوجب إعادة بنائها، لا يدلنا ماركس على ما يتوجب أن يكون عليه إطار تفكيرنا فقط، بل أكثر من ذلك على الاتجاه العام لأفعالنا.


* ترجمة عن الفرنسية: رشيد بوطيب

دلالات

المساهمون