معركة "مشروع ليلى": رقابة متعددة الرؤوس

معركة "مشروع ليلى": رقابة متعددة الرؤوس

27 ابريل 2016
(ملصق لفرقة "مشروع ليلى")
+ الخط -

لا يمكن التنبؤ بالدوافع التي تقف وراء منْع كتابٍ أو فعالية ثقافية أو فنية، في الأردن، فثمة حوادث سابقة تؤشر على حجم التشوّش والاضطراب في أوساط الثقافة نفسها، إذ أُوقف عمل مسرحي منذ سنوات إثر شكوى قدّمها أحد الفنانين ضد زميله بدواعي المسّ بالأديان، وفي حادثة ثانية أثار عابر سبيل لا صلة له بالتشكيل ضجةً انتهت بإنزال عمل فني في إحدى صالات العرض!

تبدو المفارقة أكبر حين تُطلق مواقع إخبارية محلية حملة تشهير بحفل موسيقي أو مهرجان ترفيهي، وآخرها تسبّب في إلغاء حفل فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية لإطلاق ألبومها "ابن الليل" الذي كان مزمعاً إقامته في العاصمة الأردنية بعد غدٍ الجمعة، حيث تُلاحظ الانتقائية في توجيه الهجوم، نتيجة جهلٍ واضحٍ، إذ لا تحتوي هذه المواقع المحرّضة أي متابعةٍ للأنشطة الثقافية والفنية ولا تنشر أخبارها أساساً.

الإيقاف جاء هذه المرة بقرار من محافظ عمّان، الذي صرّح لوسائل الإعلام حول "ما يحتويه الألبوم الجديد للفرقة من مخالفات للقيم والعادات والتقاليد.. وما يرد في بعض أغانيه من ألفاظ لا تليق بالمجتمع الأردني"، وقد لا يبدو ذلك مستغرباً بالنظر إلى "تحطيم" المحافظ -المعيّن منذ عامين- أرقاماً قياسية في المنع، كما تندّر بذلك روّاد وسائط التواصل الاجتماعي.

وزارة السياحة اقتحمت المشهد ببيان رسمي يبرّر سحب رخصة الغناء من الفرقة اللبنانية، وأشارت فيه إلى أن محتوى الحفل لا يتناسب مع "أصالة" المدرج الروماني في وسط عمّان، الموقع المفترض لإقامته، علماً بأن "مشروع ليلى" قدّمت ثلاث حفلات سابقة في المكان ذاته.

مصادر إعلامية عزَت القرار إلى ضغوطٍ كنسية، ونقلت عن رجل الدين المسيحي رفعت بدر: "أن منع إقامة الحفل قرار صائب يصب في مصلحة قيمنا وعاداتنا الأخلاقية التي تتعارض مع توجهات هذه الفرقة المثيرة للجدل"، منوهاً "أن هذه الفرقة نشأت في لبنان لمساعدة الشباب اللبناني على التعبير عن رأيهم نظراً للتعقيدات السياسية هناك لكننا في الأردن لسنا بحاجة لتلك الطرق ولدينا وسائلنا المحترمة والمشروعة".

لم تمرّ ساعات على تصريحاته حتى أصدرت كنيسة اللاتين، الذي يتبعها، بياناً ينفي منع فعالية لـ "مشروع ليلى" في الأردن، موضحة أن الجهات المعنية طلبت رأي الأب بدر في أغانٍ لـ"المشروع"، بسبب وجود "جمل نابية على الدين المسيحي"، حيث قام الأب بالتحفظ على هذه الكلمات.

يصعب تمييز الحقائق وتسلسلها، فالأطراف المسؤولة مبتهجة بمنع الحفل، لكنها لا تريد نسْب "الفضل" إليها. نوّاب في البرلمان دخلوا المعركة بدورهم بحثاً عن مكاسب شعبية مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، و"اتهم" النائب بسّام البطوش الذي تبني مذكرة نيبابية بهذا الخصوص الفرقة بـ"التحدث حول الجنس والمثلية الجنسية والدعوة للثورة على الحكومات والمجتمعات، ولا تبتعد طروحاتها عن الترويج لأفكار عبدة الشيطان ويدل على ذلك الصور التي يستخدمونها في الترويج وتحمل رأس كلب أو ذئب على جسم إنسان وكذلك الكلمات الإيحائية والغامضة المستخدمة في أغانيهم"!

الفرقة بدورها اعتذرت لجمهورها، الذي سارع إلى شراء تذاكر الحفل، ولم تفصح عن الجهة التي تسببت بما حصل، وقالت: "أُبلغنا بشكل غير رسمي بأنه لن يكون من المسموح لنا بأن نقدم عروضنا في أي مكان في الأردن بسبب معتقداتنا السياسية والدينية وإقرارنا بالمساواة الجنسية والحريّة الجنسية".

ينظر مراقبون بتشاؤم إلى تعدد الرقابات تحت مسميات دينية وأخرى وطنية، وإلى إمكانية أي جهة أو شخص في المجتمع ممارستها!

يشار إلى أن ألبوم "ابن الليل" هو الرابع لفرقة مشروع ليلى، الذي تم إطلاقه في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وقد أثار جدلاً واسعاً منذ انطلاقه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لما فيه من مواضيع ساخنة ومثيرة متعلقة بالمجتمع اللبناني.


دلالات

المساهمون