"ذاكرةٌ في منمنمات": المغرب كما عرفه أبناؤه

"ذاكرةٌ في منمنمات": المغرب كما عرفه أبناؤه

17 ديسمبر 2018
(من المعرض)
+ الخط -
عرف فن المنمنات ازدهاراً في الحضارة الإسلامية، خصوصاً في بلاد فارس، حيث تجاوز الجانب التزييني إلى أن تحوّلت لوحاته إلى عمليات توثيق تاريخية كاملة. لكن بمرور الزمن، بدا هذا الفن وقد تراجع إلى الظل، وأصبح هامشياً أو فولكلورياً، في نفس الوقت الذي دخلت فيه رؤى غربية للفنون في بلدان الشرق، ليصبح استحضار المنمنمات ضمن استلهام التراث البصري الشرقي لا أكثر.

في معرضه "ذاكرةٌ في منمنمات"، يعود التشكيلي المغربي عبد الحي الدمناتي (فاس، 1962) إلى هذا الفن مستعيداً جميع عناصره، وكأنه يشير إلى أنه لا يزال راهناً وقابلاً للتطوير ومخاطبة المعاصرين. المعرض يحتضنه رواق "B&S" في الدار البيضاء منذ 13 كانون الأول/ ديمسبر الجاري ويتواصل حتى الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير المقبل.

تبدو المواضيع التي تتطرّق إليها لوحات الدمناتي أقرب إلى مواضيع الفنانين الاستشراقيين، حيث تصوّر الحياة اليومية للنساء خصوصاً، وتفاصيل المعمار وبعض مظاهر الحياة العامة. هنا يبدو أن خيار المنمنمات مثل محاولة لتخليص هذه الأماكن من النظرة الاستشراقية التي هيمنت عليها، وهذا الموقف سيصعب تمريره من خلال الرسم الزيتي، الأداة الرئيسية التي اعتمدها الفنانون الاستشراقيون في لوحاتهم.

يهتم التشكيلي المغربي كثيراً بالإطار في منمنماته، فهو ليس عنصر زينة فحسب وإنما "إطار" تلقي مكتمل، يقود المشاهد إلى إعادة تركيب الصورة وعالمها، أي إنه لا يمكن فصله عن داخل اللوحة. هذه الأطر، مكّنت الدمناتي من استدعاء عنصر بصري آخر ازدهر في الثقافة العربية الإسلامية، وهو الأشكال الهندسية.

على مستوى آخر، يعتمد الفنان المغربي على بساطة الألوان وتناغمها، حيث لا يذهب إلى التصادم الذي يبرز جزءاً من اللوحة على حساب أخرى، علماً أن معظم لوحاته التي يقدّمها في هذا المعرض متعددة الشخصيات. عدم البحث عن الإثارة اللونية، يواكبه عدم بحث عن الإثارة المضمونية، فما يتطرّق إليه الدمناتي هو العادي من الحياة، وكأنه ينشد المغرب الذي يعرفه أبناؤه ويعايشونه يومياً، وذلك الذي كثيراً ما اختفى في عالم الفن وراء مغرب متخيّل، محكوم بالشهوانية أو بالمبالغة في الاحتفاء أو التحقير.

المساهمون