"مدن الثقافة" الأردنية.. أمّا بعد

"مدن الثقافة" الأردنية.. أمّا بعد

12 يوليو 2014
+ الخط -

عندما طرحت وزارة الثقافة مشروع "مدن الثقافة الأردنية" عام 2006، كان الهدف الرئيس لهذا المشروع هو كسر مركزية العاصمة (عمّان) التي يكاد ينحصر فيها المشهد الثقافي الأردني كله، بينما كان على الأقاليم أن تصدّر مبدعيها إلى العاصمة كي لا يعيشوا في خانة النسيان والإهمال الإعلامي.

ويأتي هذا الكسر من خلال انتخاب مدينة للثقافة الأردنية كل عام، يخصَّص لها مبلغ مليون دينار أردني (ما يعادل مليون وأربعمئة ألف دولار أميركي) لإحياء الفعاليات الثقافية فيها طوال عام كامل، ونشر إصدارات أبنائها، والمساهمة في إعمار البنية التحتية الثقافية فيها، على أن يتسلم أبناء المدينة إدارة المشروع.

وقد بدا المشروع ناجحاً في تجربته الأولى "إربد مدينة للثقافة الأردنية" (2007)؛ إذ اقترب الحراك الثقافي فيها آنذاك من المستوى المأمول. واستطاعت إربد على مدار عام أن تجذب انتباه متابعي الشأن الثقافي، وتحويل أنظارهم إلى مركز ثقافي آخر غير العاصمة.

غير أنّ الحماس للمشروع بدأ يخفت تدريجياً مع توالي الحكومات وتبدّل وزراء الثقافة، ما أفقدَه رونقه وجعله مجرد ديكور مؤقت يتم نقله كل عام من مدينة إلى أخرى. ويمكن أن نعتبر عملية تقسيم الدور في اختيار المدينة بين الشمال والجنوب (مرة لنا ومرة لكم) المسمار الأول الذي دُقّ في نعش المشروع، ما سلبَهُ كثيراً من مصداقيته.

كما أن دعم الوزارة له ما انفك يتراجع عاماً بعد عام، كما يتجلّى ذلك في تخفيض المبلغ المخصّص لدعم المدينة المُختارة، وتدخُّل مثقفي الوزارة المستمر في إدارة المشروع، وتقليص دور اللجان التابعة لـ"مدينة الثقافة"، وإسناد عمل لجنة النّشر إلى موظفي الوزارة.

وإن كانت الوزارة لم تتراجع عن المشروع كلّياً، إلا أنها تراجعت عن أهدافه، وجيّرته لمصالح القائمين عليها. وقد بلغ هذا التراجع مداه العام الماضي في "عجلون مدينة للثقافة الأردنية" (2013)؛ إذ ألغت الوزارة منصب منسّق المشروع الذي يكون عادةً من أبناء المدينة، وشرعت في إدارة المشروع بشكل مباشر من قبل الوزارة.

أكثر من ذلك، ألغت الوزارة جميع اللجان المتفرعة عن المشروع، لكن بعد احتجاج صاخب من أهالي عجلون ـ كما يؤكد القاص عمار الجنيدي ـ شُكّلت لجنة إعلامية لم تُفعّل، بل هُمّشت من قبل "مديرية الثقافة" في عجلون.

ويرى الجنيدي أنّ التهميش والإقصاء مورس في حق الكثير من مبدعي المدينة، ما دفعهم إلى العزوف عن المشاركة وحضور الفعاليات، رُغم أنّ إبداع هؤلاء، كما هو مفترض، هو السبب الأساسي في اختيار عجلون مدينة للثقافة. ويذهب الجنيدي إلى أن القائمين على المشروع في عجلون لم ينظروا بنفس السوية إلى جميع الهيئات الثقافية، وكانت المفاضلة بينها تقوم على أسباب غير إبداعية.

أما "الطفيلة مدينة الثقافة" لهذا العام فقد شهدت تراجعاً غير مسبوق. إذ أصبحت المركزية حاضرة في كل حركة وخطوة، كما يرى الأكاديمي محمد السعودي، مُعتبراً مشروع "مدن الثقافة" رائداً في أصله، إلا أنّ فكرته أخذت في الابتعاد عن هدفها: "كلما جاء دور مدينة، كانت التي قبلها أفضل منها، حتى جاء حظ الطفيلة العاثر، فجُمّدت الأموال وقُلّصت الجهود حتى اقتصرت على محاضرات هنا وهناك، ولم يعبأ المخططون بفلسفة المدن الثقافية، ثم فُرض على المحافظة مجلس لإدارة الواقع الثقافي دون استشارة المثقفين، وبذلك تراجعت الخطوة ألف ميل".

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنّ وزارة الثقافة الأردنية تراجعت في الآونة الأخير عن الكثير من مشاريعها وبرامجها السنوية؛ فبالإضافة إلى تقليصها "مدن الثقافة"، ألغت برنامج التفرغ الإبداعي الذي كان يمنح الكاتب فرصة التفرغ للكتابة عاماً كاملاً، كما أوقفت دعم طباعة الكتب والدراسات إلى أجل غير مسمى. وتدرس حالياً إمكانية دمج (أو إلغاء) بعض المجلات الصادرة عنها. ما يطرح لدى المتابع الكثير من الأسئلة حول طبيعة دور هذه الوزارة ومبررات وجودها في ظل توقّفها عن ذلك الحد الأدنى من دعم الثقافة.

المساهمون