المجانين ليسوا مجانين مثلنا

المجانين ليسوا مجانين مثلنا

24 يونيو 2016
(الشاعر في "مهرجان مديين"، كولومبيا 2013)
+ الخط -

على عشب مبلول
أثرُ خطوة على العشب المبلول
لا تحتاج أن تكون خطوة موت؛
ربما تكون مرّت أغنية شعبية

الفراشة المرتعشة على راحة يدك
لديها ما تقوله لك
يالها من نظرةٍ! حبّات المانغو وأزهار الياسمين الساقطة
تبحث عن راحتيك المكوّرتين
لتوقفها في منتصف الطريق.

ألا تسمع البحرَ يهمس:
لا تسدد ديونك؟

حتى غرفتك الصغيرة المظلمة
لديها قطعة من السماء
كل شيء مبارك:
أسماك، مضارب كرة، أسراب مالك الحزين
ضوء الشمس، شفاه، كلمات.


لعثمة
اللعثمة ليست عاهة
إنها أسلوب كلام
اللعثمة هي الصمت الذي يهبط
بين الكلمة ومعناها
تماماً مثلما أن العرج
هو الصمت الذي يهبط
بين الكلمة والفعل.

هل اللعثمة سابقة على اللغة
أم تالية؟
أهي لهجة ليس إلا
أم هي لغة بحد ذاتها؟
هذان السؤالان يجعلان
الألسنيين يتلعثمون.

في كل مرّة نتلعثم فيها
نقدم أضحية
إلى إله المعاني

حين يتلعثم كل الناس
تصبح اللعثمة لغتهم الأم:
تماماً مثلما هو حالنا الآن

لابد أن الإله تلعثم أيضاً
أثناء الخلق
لهذا السبب حملت كل كلمات الإنسان
معاني مختلفة
ولهذا السبب يتلعثم كل ما ينطق به،
من صلواته إلى أوامره،
مثلما يتلعثم الشعر.


المجانين
لا ينتمي المجانين إلى طبقة
ولا دين. إنهم يعلون
على الجنسين، يعيشون خارج
الأيديولوجيات. نحن لا نستحق
براءاتهم.

لغتهم ليست لغة أحلام
بل لغة واقع آخر. حبّهم
ضوء قمر. يفيض
على نهار قمر مكتمل.

يُشاهِدون وهم ينظرون إلى الأعلى
آلهةً لم نسمع بها أبداً
يخضّون أجنحتهم حين
نتخيّل أنهم
يهزّون أكتافهم استهجاناً
يفهمون أن الذباب، حتى الذباب، يمتلك أرواحاً
وأن إله الجنادب الأخضر
يقفز عالياً بساقيه الناحلتين.

أحياناً، يرون الأشجار تنزف، يسمعون
الأسود تزأر في الشوارع، أحياناً
يراقبون السماء تلتمع
في القطط، تماماً كما نفعل
ولكنهم وحدهم من يمكنهم سماع
النمل يغني في جوقات.

هم يروّضون إعصاراً
على البحر الأبيض المتوسط
حين يربّتون على الهواء
وبخطواتهم الثقيلة
يمنعون بركاناً من الانفجار.

لديهم مقياسٌ آخر
للزمن، قرننا هو
قرنهم الثاني. عشرون ثانية،
ويصلون إلى المسيح، ست ثوان زيادة
ويكونون مع بوذا،
وفي يوم واحد، يصلون
إلى الانفجار العظيم، إلى بداية نشوء الكون

إنهم يواصلون السير بلا توقف
لأن أرضهم ما تزال تغلي

المجانين
ليسوا مجانين مثلنا.


صبار
أشواكُ لغتي
أعلنُ عن وجودي
بلمسةٍ نازفة

هذه الأشواكُ كانت أزهاراً ذات يوم
وأنا أكره العشّاق الذين يخونون
هجر الشعراءُ الصحارى
ليعودوا إلى الحدائق
وظلت الجِمالُ هناك وحدها، والتجار
الذين يسحقون بأقدامهم أزهاري.

لكل قطرة ماءٍ ثمينة شوكة واحدة
أنا لا أغوي الفراشات
ولا يغني لي طائرٌ ممتدحاً
أنا لا أستسلم للمواسم الممحلة.

إنني أخلق جمالاً آخر
أبعد من ضياء القمر،
هذا الجانب من الأحلام،
لغة موازية
حادة ونفاذة.


وجهاً لوجه
هل رأيتَ الخواءَ وجهاً لوجه؟
إنه يشغل المقاعد، يسير في الشوارع
يتجوّف بخفة.

جانبه الآخر، يمكننا أن نراه
مثل بلّور أو كلمة
سيهبط السلالم
وينظر إلينا
سيختفي وراء أشجار
سيظهر فجأة ويفزعنا.

سيبرز ضاحكاً مثل برقٍ
من محارق الجنازات والمقابر
بلا ملابس، ولا جلد حتى،
نلتقيه أحياناً على ساحل
بحر، أو رغبة، أو كتاب
تغطّي جسده الرمال أو إفرازاتٌ ورسائل.

أنا رأيته في بيوت
ليس في غرف الرسم فقط،
بل وحتى في غرف النوم
في قدس أقداس المعبد
وسمعتُ خطواتهِ أحياناً
في إيقاعات دقات قلبي

يمكن أن تراه الكلابُ بوضوح، مثلما تستطيع
رؤية أبالسة وغيلان -رؤوساً وأطرافاً- في مكان،
فتعول عندئذ عويلاً من ذلك النوع النادر
كما لو أنها ترى العالم الآخر.
الغربان تعرف أيضاً متى يجيء؛
وعندئذ يميل نعيقها.
نحن لا يمكننا التنبؤ بوصوله
لأن غرائزنا تم ثلمها.

أودّ استعادة إحساسي الحاد بالرائحة ورؤيةَ غرابي النفاذة
وعندئذ سأحذّرك أيضاً
بعويل قاتم أو صرخة مائلة
إلى أن تتمكن أنت أيضاً من رؤية الخواء
على شرفتك بوضوح، مثل رؤية
الشبح المتروك لطفل
ينزف بكامل جسده تحت القصف.


كيف تذهب إلى معبد الطاو
لا تغلق الباب
امضِ خفيفاً مثل ورقة شجر في النسيم
على امتداد وادي الفجر
إن كنتَ بالغ الوسامة
غطِ نفسك بالرماد
وامضِ ناعساً إن كنتَ بالغ الذكاء
ما هو سريع
سيتعب بسرعة:
كن بطيئاً.. بطيئاً مثل
سكون مطلق

كن بلا شكل مثل ماءٍ
ابقَ متطامناً، لا تحاول حتى أن تنهض
لا تدرْ حول ربّةٍ
لا اتجاهات للخواء
لا أمام ولا خلف
لا تدعه بالاسم
لا اسم لاسمه،
لا قرابين: الأوعية الفارغة
حملها أسهل من حمل الممتلئة
لا صلوات أيضاً: لا مكان للرغبات هنا.

تحدّث صامتاً إن كان يجب أن تتحدّث؛
مثل الصخرة تتحدّث إلى الأشجار
والأوراق للأزهار
الصمتُ هو الأعذب بين الأصوات
وللخواء
الأجمل بين الألوان
لا تدع أحداً يراك قادماً
ولا أحد يراك ذاهباً
اعبر العتبة منكمشاً
مثل من يعبر نهراً في الشتاء
هنا ليس لديك سوى لحظة
مثل ثلج يذوب.

لا كبرياء: أنت حتى بلا شكل
لاغضب: لا غبار
طوع بنانكَ حتى
لا أسف: إنه لا يغيّر شيئاً
تخلّ عن التعاظم:
لتكون عظيماً لايوجد طريق آخر
لا تستخدم يديك أبداً:
إنهما تتأملان
لا الحب، بل العنف
دع السمك يرقد في مياهه
والثمرة على غصنها
سيتغلّب الناعم على الصلب
مثل اللسان الذي يتغلّب على الأسنان
ليس سوى من لا يفعل شيئاً
يمكن أن يفعل كل شيء
امضِ، صنم لم يصنع بعد
في انتظارك.


__________________

تجربة، ذاكرة، سفر
K Satchidanandan شاعر وناقد وكاتب هندي (1946) يكتب شعره بلغة المالايالم ويكتب النقد باللغة الإنكليزية، يعتبر رائداً للشعر الحديث بهذه اللغة الهندية المحلية. تتمتع لغة المالايالم بمكانة اللغة الكلاسيكية في الهند منذ 2013. يُعرف عن الشاعر عداؤه للنظام الطبقي.

بدأ ك. ساتشيداناندان حياته الأدبية ناقداً، فكان أول إصداراته كتاباً نقدياً عن الشعر (1970)، لينشر بعد ذلك بعام "خمس شموس"، أولى مجموعاته الشعرية.

منذ ذلك الوقت وضع الشاعر خمسين كتاباً بين النقد والمسرح والشعر وأدب الرحلات وترجم مختارات من الشعر الإنجليزي إلى لغة المالايالم، من كتبه "الأشياء في غير محلها" و"جماليات ماركسية" و"الجمال والسلطة"، كما وضع كتاباً سيرياً بعنوان "تجربة، ذاكرة، سفر".



* ترجمة محمد الأسعد


المساهمون