أنا لا أخاف شيئاً

أنا لا أخاف شيئاً

07 يونيو 2018
("تكوين بالحصى"، سلوى روضة شقير، 1959)
+ الخط -

بالمناسبة، أنا لا أخاف شيئاً.

ليرحمك الله يا جدّي... كنتَ تصفُني بالبغل، وتُذكّرني بأن شاربي يكفي لربط بغلٍ بحاله. وكنتُ أضحك وأنا أتخيّلُ حمار جارنا س، وقد أصبح ضعفَي حجمه الحقيقي، مربوطاً بشاربي. لم أكُن قد رأيتُ بغلاً في حياتي، فسألتُ س عن هذا الحيوان الذي لا يحلو لجدّي تشبيهي إلّا به، فأجابني بأنه يُشبه الحمار، لكنه بحجم الحصان. لكنني، أيضاً، لم أكُن قد رأيتُ حصاناً من قبل. بعد أخذ وردّ أجاب: "بإمكانك أن تقول إنه حمارٌ ضخم".

لم يكُن المرحوم مخطئاً؛ فقد كنتُ ولداً بالحجم العائلي، من الصنف الذي يشعر المرء بهزّة خفيفةٍ إن وضع إحدى قدميه على الأرض. ذات مرّة، خلعتُ كتف ولدٍ ضئيلٍ وكنتُ أرغب في أن أربّت عليه.

لن تُصّدّقوا، إذن، أن ثمّة ما يُمكنه إخافة هذا البغل، الذي هو أنا.

تسألون من أين استلهمتُ شجاعتي هذه؟ سأجيبُكم بلا تردّد: "من جدّي". رحمة الله عليه، ضبطَني، ذات يومٍ، وأنا أصرخ وأقفز مذعوراً من فأر وجدتُه داخل خزانتي، فأشبعني ضرباً بعصاه. قال لي: "لا يليق بفيلٍ مثلك أن يخاف فأرة". كانت تلك المرّة الأولى التي يُشبّهني فيها بحيوانٍ آخر غير البغل.

منذُ تلك اللحظة، لم أعُد أخاف الفئران ولا الجرذان. صرتُ أخاف عصا جدّي. لكنه رحل عن دنيانا الفانية ورحل معه خوفي من عصاه.

لكي أكون صادقاً، سأعترف بوجود بعض الاستثناءات الصغيرة التي لن تُغيّر في الأمر شيئاً؛ فأنا لا أخاف شيئاً باستثناء العقارب والصراصير، الأماكن المرتفعة، الأماكن الواسعة، الضيّقة، المزدحمة، الخالية، المظلمة، طبيب الأسنان، الطبيب العام، المصاعد، السيّارات والطائرات وقطارات الأنفاق.

أخاف مياه البرك والمستنقعات والأنهار والبحار والمحيطات. وقد كان هذا سبباً كافياً لعدم تعلُّمي السباحة.

أخاف المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة. تتقطّع أوصالي حين يرنّ هاتفي. يكاد يُغمى عليّ كلّما سمعتُ صوت رسالةٍ منبثقةٍ فيه.

أخاف المفاتيح. أقصد أنني أخاف نسيان المفاتيح.
وأنا أدلف من الشقّة، يكون لزاماً عليَّ التأكُّد من أنني وضعتُ المفاتيح في جيبي بعد أن أوصدتُ الباب. أتفحّص جيوبي طيلة الطريق. أطمئنّ. بعد برهةٍ يُعاودني الخوف مجدّداً، فأعود إلى تقليب جيوب معطفي وسروالي جيباً جيباً. هي غير موجودة. لعلّني تركتُها في البيت فعلاً.

أطلب من سائق التاكسي التوقّف، أنزل وأُفرغ حمولة جيوبي على الرصيف: قلم ودفتر، ولّاعتان، علبة سجائر نصف ممتلئة، علبة سجائر ممتلئة، هاتف ذكي، هاتف عادي، ورقتان ماليّتان، خمس قطع نقدية، علكة، مقصّ صغير. ما الذي يفعله المقصّ في جيبي؟ ليس مهمّاً الآن. المهمّ أن لا أثر لمفتاح الشقّة.

يدبّ الرعب في قلبي. أُفكّر في أن أطلب من السائق التوقّف لأُفرغ أغراضي على الرصيف فعلاً. المدينة كبيرة وأنا لا أعرف أحداً. أين سأذهب؟ بمن سأتًّصل؟ سأقضي ليلتي الأولى عند الباب. ثمّ ماذا؟ ماذا عن الليلة التي بعدها وتلك التي بعدها؟


* كاتب من الجزائر

المساهمون