"بلاد القبعة الكبيرة": أكثر من مكسيك في المكسيك

"بلاد القبعة الكبيرة": أكثر من مكسيك في المكسيك

06 ديسمبر 2017
(مظاهرة تضامنية مع فلسطين في المكسيك العاصمة، مانويل بالاسكيس)
+ الخط -
في سياق التعريف بتاريخ "بلاد القبعة الكبيرة" وتنوّع مجتمعه، تقدّم "مجلة الجزيرة" في عددها الأخير إصداراً خاصاً - أعدّته من المكسيك المترجمة والصحافية الفلسطينية الأردنية المقيمة في نيكارغوا غدير أبو سنينة - يضيء على التأثير العربي في الثقافة المكسيكية؛ بدءاً من الشاعر ذي الأصول اللبنانية خايمي صغبيني (1926 – 1999) الذي ما زالت دواوينه من الأكثر قراءةً في أوساط الشباب في المكسيك.

يتناول العدد التاسع والستين إلى (كانون الأول/ ديسمبر 2017) حضور عدد من الأسماء اللبنانية في السينما المكسيكية، مثل المخرج ماوريسيو زكريا والممثّلين غاسبر حناينة وبرونو بشر وسلمى الحايك والأخوين ديميان، كما يقف عند حفاظ الكنيسة السريانية هناك على اللغة العربية من خلال تدريسها في منهاج خاص.

التفاعل بين الثقافتين العربية والمكسيكية ظلّ محصوراً داخل حدود القارة اللاتينية عبر الفنانين والكتّاب من أبناء المهاجرين، غير أن المشهد محكوم بالتغيّر وفق مؤشرات عدّة إذ منح "الملتقى العالمي للشعر في المكسيك" جائزته هذا العام للشاعر والروائي المغربي عبد اللطيف اللعبي، وهي أول جائزة أدبية في البلاد تمنح لشعراء من العالم، ما يشير إلى انفتاح المنظّمين على ثقافات أخرى وفي مقدّمتها العربية.

الجائزة كما الملتقى يقاطعان حضور شعراء إسرائيليين، والذي يأتي ضمن "الالتزام بعدم منح منبر باسم الشعر لدولة احتلال"، كما يؤكّد الشاعر علي كالديرون أحد المنظّمين.

الملتقى استضاف في دورته الثانية عام 2014، الشاعر السوري أدونيس، ولم تخل الدورات المتعاقبة من استضافة شعراء عرب، إلى جانب إصدار ترجمات عن مشروع "دائرة الشعر" بالتعاون مع مؤسسات ثقافية ودور نشر مكسيكية.

يثير العدد كذلك جدلاً حول الهوية عبر التأكيد على وجود أكثر من "مكسيك" في المكسيك، عبر التأكيد على تداخل ثقافات تنتمي إلى أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا التي استعمرت البلاد ممثلة بإسبانيا لأكثر من ثلاثة قرون، لكن عوامل كثيرة سياسية واقتصادية قادت إلى خلق تناقضات بين جميع هذه المكونات.

من أبرز القضايا التي يطرحها العدد انتقاد "عقدة الرجل الأبيض" في تقرير أوضح مناحي عدّة لاغتراب المجتمع وتسليم بعض فئاته بالرواية الغربية عن ماضيها، ومنها أن تاريخ المايا يرويه علماء آثار ومؤرخون أوروبيون أو من الكريويو (الذين ولدوا في أميركا اللاتينية من آباء أوروبيين)؛ لتبدو الصورة النهائية أن "المكسيك بلدٌ لم يستطع أن يتعرّف على نفسه بنفسه".

مسألة أخرى جديرة بالاهتمام، تتعلّق بتفكيك الصورة التي يرسمها الغرب والولايات المتحدة تحديداً، حول العنف بوصفه محدداً أساسياً للهوية المكسيكية، حيث لا يمكن تفسير أي نزعة أو سلوك عدواني لدى الشعب بمعزل عن تاريخ طويل من عنف الاستعمار ووجود جارٍ أميركي يعدّ من أكبر الأسواق المستهلكة للمخدرات والسلاح.

يتوقّف العدد عند "كيتسالكواتل" (أو الثعبان المجنح)، إله الوحدة بين التراب والسماء، والذي أصبح معبود المايا، وعلّمهم الكثير من العلوم والثقافة والفن والسياسة، ووضعوا اسماً آخر له هو كوكولكان ويعني أيضاً الثعبان المزيّن بالريش.

في السياسة، هناك تقرير حول ملفّ لا يزال يتفاعل في المكسيك، حيث تستمر المطالبات بتوضيح مصير 43 طالباً يسارياً كانوا اختفوا عام 2014 عندما نظّموا مسيرة احتجاجية على مجزرة ارتكبها الجيش، ويرفع الناشطون شعار "أحياء أخذتموهم.. أحياء أعيدوهم".

من بين التقارير التي يحتويها العدد؛ "أكبر ناطقة في الإسبانية"، و"سحر أبيض في معبد سان هوان تشامولا"، و"لحاصدة الأرواح يوم في المكسيك"، و"الساباتيستا.. نغطي وجوهنا ليرانا الآخرون"، و"مرياتشي.. أغاني المدن المحافظة"، و"مسلمو تشياباس.. مساجد متقابلة وقلوب متفرقة"، و"في المكسيك.. من يحيي العربية الفصحى؟"، و"راهبات بويبلا يبدعن الأطباق المكسيكية".

العدد يبدو أشبه بسلسلة متضافرة من الريبورتاجات الميدانية التي تستفيد من تقنيات أدب الرحلة، ولا ننسى هنا أن كاتبة العدد الرئيسية ومعدّته غدير أبو سنينة، إلى جانب كونها صحافية، هي أيضاً مترجمة أدبية وحائزة "جائزة ابن بطوطة" لأدب الرحلة عام 2016، الأمر الذي يفسّر حركية وحيوية المواد والصور التي ترسمها في مخيلة القارئ.

المساهمون