أبطال أم ضحايا؟

أبطال أم ضحايا؟

09 نوفمبر 2018
نيلس فون داربيل/ السويد
+ الخط -

تتنازع الروايةَ في العالم كلّه حتى اليوم شخصيّتان تقريباً، الأولى هي البطل صانع التاريخ، والثانية هي البطل ضحية التاريخ. فبينما يبدو جوليان سوريل بطل "الأحمر والأسود" لـ ستندال ضحيةً للتاريخ، يظهر بافل فلاسوف بطل "الأم" لـ غوركي صانعاً له. ومن غير الثابت أن واحدةً من هاتين الطبيعتَين هي التي يمكن أن تسود في أي مرحلة من المراحل التي تمرّ بها الرواية.

وفي الغالب، فإن سقوط سوريل تعبير عن عجز الفرد تجاه شروط التاريخ. فقد كان شخصية قوية متمرّدة. وفي سبيل الوصول إلى مراتب أعلى من المرتبة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ينخرط في أوساط الأرستقراطية كي يتمكّن من الصعود، غير أن جميع محاولاته للترقّي في المجتمع تفشل، وينتهي الأمر بإعدامه.

في المقابل، يبدو بافل فلاسوف في المجرى الموازي لحركة التاريخ، وربما يُحسب للروائي الروسي أنه كتب رواية "الأم" بعد الفشل المروع الذي لاقته ثورة عام 1905 الروسية، وفيما كان متوقَّعاً أن يتأمّل في شؤون الهزيمة، أو النكوص أكثر من النظر إلى لحظات البطولة، فإنه يختار الوجه الآخر، وهو اختيارٌ يتّسم بصرامة الإيمان الإنساني بضرورات السعي لتغيير التاريخ.

وقد يعكس التغيّر في شخصيات الرواية طبيعة الزمن الذي يعيش فيه الروائي، ولهذا فإن كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ هو ابن التاريخ، أو وليد اللحظة التاريخية التي كتب عنها الروائي. وإلى جانب كون الشخصية وليدة الزمن الروائي أي الزمن الذي عاشت فيه، فإنها قد تكون وليدة زمن الكتابة الروائية، فسيرة ابن عربي في رواية معاصرة في زمننا الحاضر، لن تكون هي نفسها سيرة شخصيته في زمن القرن التاسع عشر مثلاً، فالكثير من العناصر النفسية والتكوين الاجتماعي والروحي تُستمدّ من زمن الكتابة، لا من الزمن الروائي.

وشخصية رجب في "شرق المتوسّط" لعبد الرحمن منيف توضّح أحد المعاني التي يذهب الفرد فيها ضحيةً للتاريخ، والمفارقة أن رجب يدافع عن القيم التي يمكن اعتبارها أساساً في التبدُّلات الكبرى في التاريخ، بينما كانت العاقبة التي لاقاها نتيجة محاولة تدخّله في صناعة التاريخ.

ولكن هناك شخصيات قلقة تضعنا أمام أسئلة تتعلّق بموقفنا منها كشخصية، فالقول إن الشخصية ضحية من ضحايا التاريخ قد يوحي بتجاهل المسؤوليات الشخصية عن السلوك البشري، فهل كان راسكولنيكوف، في "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي ضحيةَ الواقع أم قاتِلاً مجرّداً من الضمير؟ أين يمكن أن نضع شخصية الانتهازي أو الخائن أو الجاسوس أو المريض النفسي، في السياق التاريخي؟

يختلف موقع الشخصية في الرواية بحسب يقين الروائي أو شكوكه في هذا العالم، فالإيمان بقدرة الفرد على تغيير التاريخ كان واحدا من عناصر المأساة في حياة الشخصيات الروائية، وغياب هذا الإيمان، بسبب الحروب والمذابح المروعة التي تلاحق البشر، يدمّر إرادة الفرد، غير أن أبرز ما تُعلّمنا إياه كل هذه الشخصيات هو أن كل واحدة من بينها تشبه واحداً منّا، واختيارُ البطل الذي يمثّلنا، هو شأننا نحن أيضاً.

المساهمون