الصفّار وبشير.. ملامح من موسيقى المهجر

الصفّار وبشير.. ملامح من موسيقى المهجر

30 مارس 2017
أمير الصفّار (يمين) في الحفل
+ الخط -

"موسيقى المهجر: أمير الصفّار وعمر بشير مثالاً" هو عنوان الأمسية الحوارية التي جمعت الفنّانين في "دار الأوبرا السلطانية" في مسقط مؤخراً؛ بعد حفل مشترك لهما تضّمن تجربتين تمتزج فيهما الموسيقى الشرقية بالغربية مع ارتكاز الثانية على الجاز أساساً، بينما تذهب الأولى إلى التجريب ضمن التراث العراقي.

في الحفل، قدّم العازف والمؤلّف العراقي الأميركي الصفّار بمصاحبة أوركسترا "أنهار من الصوت"، أغاني من ألبومه "ليس اثنين"، في اختبار لموسيقى الجاز مع الآلات العربية تُظهره تنويعات العزف والقدرة على الارتجال.

"بغداد تبكي"، و"قافلة"، و"أحزان طفل"، و"إلى أمي" هي أسماء المقطوعات التي أدّاها عازف العود العراقي الهنغاري عمر بشير عبر حوار موسيقى بين العود وآلات غربية كالغيتار والبيانو والإيقاع، كما قدّم "زوروني" و"بنت الشلبية" من ألحان الملا عثمان الموصلي، و"طالعة من بيت أبوها" من ألحان ناظم نعيم، إضافة إلى "قصر الحمراء" من ألحان بشير وروبرت فيداك.

كما تحدّث الفنانان في الأمسية التي أعقبت الحفل عن تجربتيهما في المزاوجة بين الموسيقى الشرقية والغربية. قدّم اللقاء الناقد الموسيقي العُماني ناصر الطائي، والذي استعرض تاريخ موسيقى المهجر من خلال عدّة أسماء بارزة في الموسيقى، وجدت نفسها في المنافي الاختيارية أو الجبرية ونجحت في توليد ألوان موسيقية عالمية تجاوزت لغة الأرض إلى لغة الكون، على حد تعبيره.

انطلق الطائي في تقديمه من الأندلس التي تعدّ المثال الأبرز لتلاقي الشرق والغرب خلال العصر الوسيط عبر محمول الموسيقى القادمة من تنوّع الأديان واللغات والأزياء بل ومن تنوّع الطعام والشراب، وضرب مثلاً بالمغني والملحن العربي زرياب الذي "هاجر من الموصل إلى قرطبة وهناك طوّر القوالب الموسيقية عبر تطوير آلة العود مضيفاً إليها الوتر الخامس" وصولاً إلى تجارب عربية معاصرة مع آلة العود ملاحظاً التغيّر في أسلوب الفنان اللبناني مارسيل خليفة حين أقام في فرنسا وتحوّل إلى مؤلف موسيقي.

استعرض الطائي تجارب عديدة أضافت ألوانا جديدة بروح شرقية وغربية في المهجر؛ من أبرزها: المغربي المراكشي حسن حكمون الذي طوّر فن "الكناوة" في أثناء إقامته في أميركا واليابان، مستلهماً التجارب الأفريقية والعربية والصوفية، كما طوّر الفنّانون الجزائريون موسيقى "الراي" في المهجر الفرنسي، مثل رشيد طه والشاب مامي والشاب خالد، معرّجاً في حديثه كذلك على تجربة عازف العود والكمان والباحث الموسيقي الفلسطيني سيمون شاهين، وتجربة عازف العود والآلات الوترية العراقي رحيم الحاج في أميركا.

في الأمسية، تحدّث أمير الصفّار المولود في شيكاغو الأميركية من أب عراقي وأم أميركية عن تجربته، متذكّراً طفولته في سن الخامسة عشرة: "في هذه السن بدأت أهتم بالموسيقى، خصوصاً الجاز والبوب، وأوّل البوم سمعته كان لمغني الجاز لويس أرمسترونغ وكان تأثيره عليّ كبيراً مما دفعني إلى المضيّ في هذه الطريق".

وأضاف أنه من الصعوبة بمكان تقسيم الموسيقى إلى شرقية أو غربية، موضّحاً أن "الجاز جاء من الموسيقى الأفريقية المتأثّرة متأثرة بدورها بالموسيقى العربية، وكلّ لون موسيقي له عدّة جذور، ما يتطلب بحثاً كبيراً لمعرفة منبت كلّ فن، إذ يمكنك أن تسمع بلوز مع مقام رست، وليس من المبالغة القول إن موسيقى باخ متأثّرة بزرياب، والموسيقى الأندلسية قادمة من بغداد العباسية، وهناك ألحان تركية وفارسية وبدوية داخل المقام العراقي، وكلّما تعمّقنا أكثر وجدنا تأثيرات شرقية في الموسيقى الغربية وكذا تأثيرات غربية في الموسيقى الغربية".

الصفّار الذي يرى في آلة السنطور شيئاً ما ملائكياً وصوتاً إلهياً، تجري موسيقاها في جسده مجرى الدم، لفت إلى أنه "لا يوجد لون نقي خصوصاً في العصر الحديث، فالموسيقى تتطوّر عبر الزمن ويمكن إنتاج موسيقى حديثة بالعودة إلى التراث الإنساني بكافة أشكاله، مما يخلق نوعاً من الحوار الحضاري وهذا يعود إلى الفنان نفسه وإلى البيئة التي نشأ فيها وأسلوبه ونظرته الشخصية إلى الموسيقى".

بشير المولود في بودابست من أم هنغارية وأب عراقي، والذي سار على خطى أبيه وعمّه؛ منير وجميل بشير، ارتبط مشروعه بآلة العود أو "آلة الملائكة" على حد وصفه، مؤمناً أن التراث الموسيقي لا حدود له.

في هذا السياق، استحضر تجربته الشخصية: "منذ طفولتي كان لديّ ولع بمزج الموسيقى الشرقية والغربية، وطالبني والدي في سن مبكّرة أن أتعمّق في التراث مع الاستماع إلى الموسيقى الغربية الكلاسيكية وكذا الموسيقى الهندية والفارسية وغيرها"، مشيراً إلى أن "هناك مثلاً موسيقى عربية بنصف هنغارية عراقية، لكن هذا يتطلّب الإحساس بنغمة كلّ آلة، ومعرفة الآلة التي تتناغم مع العود كالغيتار وهذا يتطلّب بدوره معرفة الهارموني الغربي".

ختام الأمسية كان مقطوعة قدمها الصفّار بـ آلة السنطور على "مقام رست"، فيما قدّم بشير مقطوعة أخرى على العود من مقام "حجاز عراقي"، واشتركا أخيراً في "مقام نهاوند" بين العود والترومبيت. ومضة تعيد للحظات ارتباط الإنسان بالكون.

المساهمون