قيس عسالي والجسد العربي الجريح

قيس عسالي والجسد العربي الجريح

01 ابريل 2019
(من المعرض)
+ الخط -

يُجري الفنان الفلسطيني قيس عسالي، في معرضه الحالي المعنون بـ"حفلة تنكرية في معبد المسلم"، والمقام في "جامعة ولاية ميشيغان" الأميركية، محاورة بين الاستشراق القديم والإسلاموفوبيا المعاصرة، من خلال زيارة يجريها إلى "The Moslem Temple"، الذي يعود إلى منظمة "Shriners".

المعرض، الذي يُقام بالشراكة مع الفنانين الأميركيين من أصل سوري: أماندا عسلي ومايكل هوارد وريم تقي ويتواصل حتى 11 أيار/ مايو المقبل، هو جزء من إقامة الفنان بحثاً في "الدراسات النقدية للعرق"، ويتناول فيه تجربته بعد زيارة المعبد، والتي يقول عنها: "كانت الأضواء مطفأة، والأبواب مفتوحة. بعد حفلتهم السنوية للهالوين، ذهبت لإجراء بحث، والتقاط الصور وتصوير فيديو لـ "معبد المسلم" في ساوثفيلد في ميشيغان".

يضيف: "جدران معبدهم كانت مليئة بصور قديمة لرجال بيض مسنّين يرتدون قبّعات باللون الأحمر الغامق، رجال يرتدون أزياء المهرجين، رجال متنكّرون بأزياء عسكر وحرامية، رجال يرتدون زي رعاة البقر والهنود، رجال يرتدون ملابس عربية. ما نادي الأطفال المدلّلين هذا؟ هؤلاء رجال يموّلون مستشفيات ويقيمون حفلات، فما العيب في ذلك؟".

يتناول الفنان في بيانه منظمة "Shriners" الماسونية، وهي "النظام العربي القديم لنبلاء الضريح الصوفي" التي كان مؤسّسوها وأعضاؤها من البيض المتنفّذين في أميركا؛ إذ أسّست عام 1870 في نيويورك، وفيها أقيم أول معبد لهم باسم "معبد مكة"، ثم أقاموا معبداً آخر في شيكاغو تحت مسمى "معبد المدينة".

صاحب فكرة هذه المنظمة هو الطبيب والتر م. فليمينغ، الذي أخذ الملاحظات ورسم الاستكشات خلال حضوره احتفالاً في القاهرة، حيث أسّس طائفته بناءً على الاحتفال والعبث. في حين أن المقامات في تاريخ الشرق مبان غالباً ما تضم مقابر الأنبياء وأضرحة الأئمة وغيرهم من الشخصيات الدينية البارزة، وقد أصبحت مساحات رمزية للثقافة والدين والسياسة والهويات الوطنية.

يصف الفنان مشاهداته داخل المعبد المقام على شكل خيمة، فيوضح: "في هذا الملهى المليء بالمرايا والأعلام الأميركية، لفتت انتباهي صورة "بلاي بوي" عارية مؤطرة تتوسط الجدار، مزجوا فيها أجواء غريبة ومناظر طبيعية صحراوية وأزياء تُظهر عرباً تصطدم بالقوالب النمطية الأميركية المعاصرة وسوء تمثيل النساء. الصور القومية الأميركية للغرب المتوحش تستحضر صوراً عن مستعمرات استيطانية جنونية. هذا السراب المتعارض يبعث شعوراً مربكاً من العبث لا يوجد إلا في مجموعة من تذكارات الـ Shriners".

من خلال الاستناد إلى مواضيع وأسماء وفضاءات وعمارة عربية وإسلامية شرق أوسطية في مجتمعهم السري والطقوس والمسيرات العامة، تتميّز عروض هذه الجماعة بشخصيات وثيمات عربية بولغ في استشراقها. يوضح عسالي: "غارقاً في هذه الصور طيلة العام الماضي، أتساءل: كيف يرى أتباع الطائفة استخدام واستهلاك الموضوع العربي؟ والأهم من ذلك، كيف تخدم هذه الصور الحرب الأميركية التي لا تنتهي في الشرق الأوسط؟".

ويضيف: "كوني أجنبياً، يُطلب مني باستمرار أن أوضّح فلسطين للجمهور الأميركي أو الأوروبي. لكن كفنان شرق أوسطي ومسلم، هل يُسمح لي باللعب مع الثقافة الأميركية وأن أوضحها؟ وأن أُظهر عبثيتها لها؟ هل يُسمح لي بالدخول والمشاركة في بيت المرايا، ومرح المهرّجين، والوجه الأسود والعنصرية الصارخة تجاه العالم العربي كما هي قبيحة عارية؟ هل يمكنني أن أُقصي هذه الثقافة؟ هل يمكنني أن أصبح أرنب "بلاي بوي" مستخدماً ظروفي وعملي وجسدي السياسي لتفكيك النظرة البيضاء الذكورية الأميركية التي تنظر إليّ برغبة في تشويه ثقافتي وتجريدها من الإنسانية؟".

في رؤية هذه الطائفة، فإن الجسم العربي والشرق أوسطي هو كائن ينبغي استهلاكه، تحويله إلى زي، إبلاؤه، ثم التخلص منه، وفقاً لتعبير الفنان متسائلاً كيف يمكن للمجتمع العربي/ الإسلامي في ديربورن أن يواصل ويقاوم، بينما موكب Shriners على بعد بضع كيلومترات منه؟

هذا السؤال خطر للفنان في السيارة بينما كان يقود من ديربورن إلى ساوثفيلد، ذهاباً وإياباً من "المعبد" إلى المساجد، فلاستكمال البحث التقى عسالي مع فنانين عرب ومسلمين محليين من ديربورن، من الشتات السوري والعراقي واللبناني والفلسطيني، لمناقشة أفكار ومصالح واهتمامات المجتمعات المحلية.

يقول: "سألت نفسي إن كنت أبالغ في حساسيتي من الصور المسيئة على جدران نادي الأولاد. سألت زملائي وأصدقائي إن كنت أضخم الأمور. حسناً قرّرت تضخيم الأمور وتوسيع أرشيف الصور المجمعة والبحث في "معبدهم". معابد ماذا ومن أجل ماذا؟ أردت تفجير أسرارهم على لوحة إعلانات. لكني فشلت. رفضت اللوحة من قبل وكالة الإعلان".

من المتوقع أن ترفض فكرة عسالي، فلوحة الإعلان ليست مكاناً للاحتجاج وتبادل الاتهامات لكن أليست مكاناً للترويج للصور النمطية؟

يطرح الفنان أسئلة حول المضمون الفكري للعمل الفني الذي يقوم به، ويطرح أيضاً أسئلة حول هوية العمل الفني نفسه: ما معنى أن يجري بحثاً في مكان يسمى "معبد المسلم"؟ كيف يمكن أو ينبغي أن يكون الفنان جزءاً منه لتجسيد ذلك لاستخدام حواسه لفهم هذه اللغة؟ ما علاقة الاستشراق بالنزعة الجنسية؟ ماذا يعني تضمين فنانين آخرين في عرض فردي؟ ما الذي ضاع واكتسب في الحلم الأميركي للفنانين والحرفيين وأصحاب المتاجر العرب المحليين الذين يندمجون داخل الشتات؟

يقول الفنان إنه لم يجد إجابات أثناء بحثه، لكنه وخلال إعداد هذا المعرض، وجد "نافورة متدفّقة من المعرفة" بحسب تعبيره.

المساهمون