الدفتر الشخصي للمنظّر

الدفتر الشخصي للمنظّر

09 مارس 2018
"السيرة الذاتية لخط" لـ دومينيك جيغو، 2015
+ الخط -

رافقني دفتر شخصي في دوّامات مراهقتي. لقد علّمني بلا شك كيف أحلّل مشاعري، وأيضاً كيف أكتب بشكل أفضل، ولكن ربما ساهم في انغلاقي على نفسي بإبعادي عن تواصلات مع آخرين كانت ستتيح لي بالتأكيد أن أنضج بشكل مختلف. ولكن الأكثر أهمية هو أنه كان الشاهد على فشل طموحاتي الأدبية.

مثل فتيان كثيرين كنت أحب الأدب، غير أنني اكتشفت أن الأدب لا يحبّني. في طفولتي، اعتقدت أنني شاعر. حين أصبحت يافعاً، عشت على وقع انبهار؛ قراءة بروست في سن السابعة عشرة أظهرت لي أن كل شيء قد ضاع: فكتابي قد أُنجر من قبل ووضَعه أحدٌ غيري. إنها البداهة المؤلمة التي سماها البعض بطريقة جميلة "سرقة أدبية بشكل مسبق".

تضاعف شعوري بالألم حين عرفت أن قراء آخرين لبروست قد اعتقدوا أن بروست كتب عملهم. هكذا، فأنا يتيم بروست من بين كثيرين.

دفتري الشخصي يملؤه التكرار والتذمّر. أصبح يبدو لي نقيض الأثر الإبداعي. رغم ذلك كنت أحتفظ به، وأقول في نفسي إنني ذات يوم سأعود إليه، حين أصبح كاتباً، وسيخدمني كمادة أوّلية. لكنني وقتها لم أكن جيداً في أي شيء؛ كنت عاجزاً عن كتابة سطر واحد في حكاية متخيّلة، لم أكن أنا نفسي أصدّق ما أكتبه. بعد ذلك كان عليّ أن أصبح من بين موظّفي الأدب، أن أكون مدرّساً له.

في 1968، استفقت على حالة من هيجان الكتابة. وقتها عملت ورشة كتابة شخصية، وبالتجربة اكتشفت أن جميع ألعاب اللغة يمكن أن توظّف في خدمة التعبير الأوتوبيوغرافي، وأن السيرة الذاتية يمكن لها أن تكون هي الأخرى فناً. وأن هذا الفن، الجديد، قد يكون للاختراع من الأوّل. قراءة ميشال ليريس أحدثت لمعة في ذهني: السيرة الذاتية حدودٌ جديدة؛ موضوع رغبتي الشخصية يمكن أن يتحوّل أيضاً إلى موضوع أبحاثي.

كانت هناك أيضاً أسباب جماعية. فقبل أن تأخذ رغبتي الشخصية شكلاً واضحاً، ذهبتُ في مسالك خاطئة: دراسة كاتب مكرّس (بروست بالطبع) أو دراسة مسألة كلاسيكية ("الغامض في الأدب الفرنسي في القرن العشرين"، موضوع رسالة الدكتوراه)، لم أكن أعلم أن البحث يمكن أن يتم بعيداً عن الطرق الممهّدة. في 1968، فقط عرفت أنه يوجد مجال غير مطروق، له من الغنى ما لا نعلم، هو السيرة الذاتية. غير مطروق لأنه كان محتقراً.

لم تكن السيرة الذاتية سوى فن من لم يكونوا فنانين ورواية من لم يكونوا روائيين. وإلى اليوم، ورغم أن رياحاً كثيرة غيّرت المشهد، لا تزال الصحافة الأدبية تحصر الأدب الشخصي في قناعة بأنه نرجسي ومسطّح.


* من كتاب "كتابة حياة؟"، 2015 - ترجمة: شوقي بن حسن

المساهمون