"أرواح صخرات العسل" لممدوح عزام: رواية الراهن السوري

"أرواح صخرات العسل" لممدوح عزام: رواية الراهن السوري

13 يوليو 2019
(ممدوح عزام)
+ الخط -

في روايته ما قبل الأخيرة "أرواح صخرات العسل"، التي صدرت العام الماضي عن دارَي "سرد" و"ممدوح عدوان للنشر والتوزيع"، يرصد الروائي السوري ممدوح عزام (1950) المشاعر والأفكار والتجارب التي يمرّ بها الإنسان في المرحلة العمرية الممتدّة من الطفولة إلى بدايات الشباب، وذلك ضمن الخصوصية الثقافية لمنطقة المنارة في ريف السويداء.

يفصل عزّام في الرواية بين السارد والراوي، على اعتبار أن الأوّل هو من يدوّن الحكاية، والثاني هو من يرويها. لدينا هنا راويان: نائل الجوف وأحمد الشايب، بينما تظلّ هوية السارد مجهولة. ومنذ الجملة الافتتاحية: "كان نائل الجوف هو الذي حكى لي عن موت الأصدقاء الثلاثة"، يجد القارئ نفسه أمام نصّ يعتمد تقنية السارد المحقّق الذي يُلملم أجزاء الحكاية من أكثر من مصدر. وإن كانت هذه التقنية، لا تصل في "أرواح صخرات العسل" إلى خلق بؤر سردية متعدّدة للحكاية الواحدة، فإنها تسمح بأن يكون هناك أكثر من سبب، وأكثر من نتيجة، وأكثر من تأويل للحكاية الواحدة.

في الرواية ثلاث شخصيات رئيسية: خالد، وحامد، وعابد. أمّا "صخرات العسل"، فهو اسم المنطقة التي تشهد نشوء وتطوُّر صداقتهم؛ هذه الصداقة التي ترافقنا على مدى صفحات الرواية كمحورٍ أساسي فيها. ومن خلال حكايات الأصدقاء الثلاثة، يضيء صاحب "قصر المطر" (1998) عدّة محاور؛ مثل العائلة، والمدرسة، والحب، والحرب، والموت.

على مستوى العلاقات العائلية، تُخبرنا حكاية عابد عن أبٍ متسلّط وقاسٍ وشبقي، وأمّ مستسلمة، وخالة وحيدة هي من يقف بين عابد وعنف أبيه. وما إن يرى الفتى شخصاً يُدعى جميل الصخري حتى يشعر بعاطفةٍ غريبة نحوه، ويعتقد بأنه قد يكون والده الحقيقي، قبل أن يمضي في رحلةٍ للبحث عنه، ولإثبات حقيقة شعوره نحوه.

يستقي عزام من الحكايات الشعبية في قرى وبلدات ريف السويداء مادّةً لعمله الروائي، معيداً نسج حكايات عن العلاقات العائلية ضمن عالم سردي تتداخل فيه مصائر الشخصيات.

في الرواية أيضاً حيّزٌ للمدرسة والنظام التعليمي في سورية. وبينما ترمز المدرسة فيها إلى السلطة، تُحيل الشخصيات التي تدور في فضائها على الفساد؛ مثلما هو الحال بالنسبة إلى مدير المدرسة برهان العلمي، الملقّب بـ"النبريش" لاستخدامه النبريش في ضرب التلاميذ. يسعى الرجل لضمّ الصبية الثلاثة إلى الحزب، مستخدماً الترغيب والترهيب، بينما يتهرّب هؤلاء من مسعاه. ولاحقاً، حين تنشب الحرب، سيتحوّل إلى واحدٍ من أمرائها.

نلتقي في الرواية بقصص حب عديدة: بين خالد وهيفاء، وبين عابد وهند. يُنوّع الروائي في أحداث تلك العلاقات ومضامينها؛ فبين القصّة العاطفية والأخرى، تختلف طبيعة العواطف التي تربط بين المحبّين، وتتمايز تصرّفاتهم وسلوكاتهم. قبل ذلك، وفي واحدة من مراحل الرواية، نقترب من ذلك الشعور العاطفي المتعدّد الأقطاب، الذي غالباً ما يحدث فترة الطفولة والمراهقة؛ حين ينجذب الشبّان الثلاثة إلى فتاة واحدة هي هيفاء.

غير أنَّ كلّ حكايات الحب في "أرواح صخرات العسل" تؤول إلى الفشل، في دلالة ربما على استحالة اكتمال المغامرات والحكايات العاطفية في ظلّ الراهن السوري.

في الثلث الأخير من الرواية، تحضر مرحلة الثورة التي نلمح تداعياتها على بلدة "المنارة"؛ حيث تتنامى سطوة قوى التسلّط القديمة متمثّلةً بالمدرسة والحزب. وفي المقابل، تزداد مقاومة سكّان المنطقة، ثم تبدأ النزاعات المسلّحة، فيجد السكّان أنفسهم في مواجهة ضغوط الأطراف المتنازعة للانخراط معها.

منذ أولى سطور الرواية، يكشف السارد بأنَّ الموت سيكون مصير الشخصيات الثلاثة. وبالفعل، يموت خالد وحامد في المعارك بعد إجبارهما على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، ويقضي عابد في صخرات العسل، وهو يعزف على الناي حزناً على فراق صديقيه.

يبدو الموت مدخلاً أساسياً لقراءة "أرواح صخرات العسل"، التي تقارب حكاياتها هذه الثيمة عبر أسئلة شائكة. في أحد المقاطع نقرأ: "في تلك الليلة، قرّر أن يعلم من أين يمكن أن يأتي الموت، وأن يُحصي الطرق التي يمكن أن يتسلّل منها، وأن يمشي سرّاً في الحكايات التي تروي أشكاله، وأن يستفسر عن أحواله، وأن يتحرّى تاريخ الموتى في المنارة وما حولها، وأن يتجوّل في الأزقة والشوارع ليلاً، كي يتأكد من أنه لا يأتي على غفلة منه".

وإن كان عابد قد تنبّأ وهو في الخامسة عشرة من عمره بموته، فإنّ ممدوح عزّام يُنذر بأنَّ الموت سيكون مصيراً حتمياً في ظلّ بقاء القمع والفساد وانعدام التواصل.

دلالات

المساهمون