ماذا يورِث الأدب؟

ماذا يورِث الأدب؟

05 ابريل 2019
نوار حيدر/ سورية
+ الخط -

منذ أن قرأت مجموعة علي خلقي القصصية "ربيع وخريف"، وأنا أسأل نفسي: بم يمكن أن يكون هذا الكاتب قد استحق لقب الرائد في القصة القصيرة السورية؟ إذ يتّفق كلٌّ من عبد المعين الملوحي وشاكر مصطفى وعادل أبو شنب وهُم الكتّاب الذين قدّموا للطبعة الثانية التي صدرت عام 1980 من المجموعة على هذا التوصيف، بينما لم يكن سليم خياطة مشغولاً بهذا لأنه كان قد كتب مقدّمة الطبعة الأولى التي صدرت في عام 1931.

هل هي الموضوعات التي عمل عليها، أم تقنيات القص، أم هي قيمة رمزية حظي بها هذا الكاتب بفضل السبق الزمني؟ وهل يكفي هذا ليسجل مكانة ريادية لأي كاتب في أي ثقافة؟

الميزة الجوهرية في مجموعة علي خلقي هي الموضوعات التي اختار أن يكتب قصصه عنها، والأشخاص الذين أراد أن يجعلهم أبطالاً لها. وفي غالب قصص المجموعة، سوف نعثر على أولئك الأفراد المغمورين الذين يخوضون صراعاً ما مع محيطهم الاجتماعي، ويدفعون أثماناً، باهظة أحياناً، لخياراتهم الحياتية التي تتقاطع مع أعراف المجتمع أو تقاليده. ولا شك أن هذا العالم الذي يأتي بعض أبطاله من الحانات والخمّارات أو من الجوع والحرمان، هو عالم شديد الخصوصية لم يكتب عنه أي كاتب سوري من قبل.

ولهذا، قد تكون لهذه الاختيارات قيمة معرفية تُضفي على الكاتب صفة الريادة، وهو الأمر المماثل الذي حدا بناقدٍ مثل عبد المحسن طه بدر للإشارة إلى ما يماثله حين درس رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل في كتابه "الروائي والأرض".

فهل نصرف النظر عن القيمة الفنية للمجموعة القصصية؟ ذلك أن الحديث عن هذا الجانب يضعنا أمام مشكلة تتعلق بتطور فن القصة القصيرة في العالم. فعلي خلقي يقول إنه اطّلع على موباسان وزولا وتولستوي وتورغينيف وبوشكين، وهذا يعني أنه حين كتب قصص المجموعة، كانت القصة القصيرة في العالم قد أنجبت أفضل كتّابها، وأنتجت قمة ما لديها في هذا الفن، وسوف تبدو المقارنة بين قصص المجموعة وبين نتاجات هؤلاء الكتاب، وغيرهم أيضاً مثل تشيخوف أو إدغار آلان بو، مخيبة للغاية. ومن الصعب أن نجد مسوّغات كافية للدفاع عن سذاجة، وليس بساطة، البناء الفني لقصص علي خلقي.

أين المشكلة إذاً؟ هل يتعلّق الأمر بالمستوى الحضاري للتطور الفكري والعلمي للمجتمعات، وهذا يعني أننا أمام قصور تاريخي لا يد للكاتب فيه؟ هل هي في تدني المستوى الفني للكتابة القصصية والروائية لذلك الجيل الرائد في هذين الفنَّين؟ لكن لماذا نجد مثل تلك المستويات المتدنية في هذا الفن رغم أن هيكل مثلاً كان قد درس في فرنسا قبل أن يكتب زينب؟ أم أن الأمر يقتصر على قدرات وإمكانات الموهبة الفردية وحدها؟ وسيكون "حظ" المجتمع العربي، في زمن الريادة، أن روّاد القصة والرواية كانت تنقصهم هذه الموهبة؟

أبرز صفات الروّاد أنهم يقدّمون دروساً لمن يأتون بعدهم، فما الذي ورثناه منهم؟ فن الكتابة أم موضوعات الكتابة أم كلاهما أم لا شيء؟

المساهمون