متى يتوقّف صرير باب الحارة؟

متى يتوقّف صرير باب الحارة؟

26 اغسطس 2015
مهنّد عرابي، "لم يعد يتعلّق بي"، 2011
+ الخط -

"أخوة التراب" و"الزير سالم" و"التغريبة الفلسطينية" و"أحلام كبيرة" و"الانتظار" و"غزلان في غابة الذئاب" و"مرايا" و"الفصول الأربعة" و"ضيعة ضايعة".

من كان يتخيّل أن هذه المجموعة من المسلسلات السورية، وغيرها الكثير، ذات المستوى الفني الجيد، ستذهب سُدى أمام أجزاء "باب الحارة" السبعة، الذي مرّ عليه رئيسان أميركيان ومثلهما فرنسيان وأزمة اقتصادية عالمية، بل إنّ ثورة بقضها وقضيضها لم توقف صرير "باب الحارة".

من كان يتخيّل أن أحد كتّاب مسلسل "الانتظار" الذي يغوص في عشوائيات دمشق وعلاقاتها الإنسانية وجمالها وقبحها، سيكتب عملاً مثل "تشيللو"؟

هناك أمثلة كثيرة على تراجع مستوى الدراما التلفزيونية السورية، إذ كشف الموسم الرمضاني الأخير أنها تهوي بسرعة كبيرة، رغم أنها عرفت الكثير من المسلسلات الرديئة وهي في أوج انتشارها، إلا أن الرداءة لم تكن السمة الغالبة على الدراما السورية كما هو الحال اليوم.

حافظت المسلسلات، في فترة ما، على مجموعة من العناصر الأساسية التي من شأنها أن ترفع من سويتها، لتصبح متوسطة أو عالية الجودة. أما اليوم، فلا نلاحظ شيئاً من هذه العناصر في أغلبية الأعمال.

أول ما نفتقد إليه الآن، هو النص الجيد، سواءً في الكوميديا أو في الأعمال التاريخية، أو في الأعمال الواقعية (أو ما يسمى بـ الاجتماعية). النص الجيد يعني بالدرجة الأولى بناء الشخصيات بشكل مقنع. وهذا سينسحب بالتالي على الحكاية والحبكة وغيرها من عناصر النص.

ولتحويل هذا الأخير إلى مادة مُصوّرة، أظهر معظم المخرجين السوريين (والتونسي شوقي الماجري) اهتماماً لافتاً بالتفاصيل؛ بدءاً من التمثيل إلى الديكور والإضاءة والملابس، وليس انتهاءً بالراكورات. مثلاً، قلّما نجد في المسلسلات السورية السابقة سيدة تنهض من النوم بكامل زينتها، أو نجّاراً لا يضع قلم رصاص خلف أذنه أو في جيبه.

هذه التفاصيل التي تبدو بسيطة، هي ما يجعل المُشاهد يصدّق ما يُعرض. وهذه التفاصيل هي ما أضاعته المسلسلات السورية هذا العام (مع استثناءات قليلة). الكوميديا تحوّلت إلى تهريج، والتراجيديا إلى لطمية مبتذلة، تستخدم ما نسمّيه باللغة الدارجة "العواطف المشلّخة" بدل العواطف الصادقة. وما يفترض أن تكون أعمالاً واقعية، كانت سوريالية لشدّة ابتعادها عن الواقع الذي يعيشه البلد وأبناؤه.

سابقاً، كانت الأفكار التي تُناقشها الأعمال الدرامية قريبة من المُشاهد، تشبه اهتماماته ورغباته وطموحاته وانكساراته. رغم أنها قد تحمل طابعاً "تنفيسياً"؛ إلا أنها في الوقت نفسه تفتح أبواب النقاش والجدل الذي يتمحور حول المشاهد وحياته.

ينطبق هذا حتى على المسلسلات التاريخية التي فتحت باباً للنقاش حول التاريخ الجمعي الذي غُيِّب عن المُشاهد، سواءً بقصد أم بغير قصد. فهل وصل كل من ابن عُباد وحسن الصبّاح إلى التداول الشعبي قبل مسلسلي "الزير سالم" و"عمر الخيام"؟

المساهمون