إلى هواة نسج الأكاذيب

إلى هواة نسج الأكاذيب


27 يونيو 2017
(هيرشمان، تصوير: ك. ميشيل)
+ الخط -

بزوغ

طلعتُ من الواقعةِ موقِناً
أنه عليَّ حفظ الموتِ عن ظهر قلب.

قد أريتني تلك الخطوط
التي في جبيني.

لم أكنْ قطُّ شاطراً
في تلاوةِ ما حفظته عن ظهر قلب.

كنتُ أستحقُّ ضربةً على
كفّيَ لأنه، كما أكتشفُ لتوّي،

كان مما يفوق مقدرتي
أن أحفظَ الموتَ غيباً

بنَفَسٍ طَلْقٍ مديد
كان عليّ أن أنثني وأنحني.

كان يجب أن أَمرَّ بلساني على
أرضِ الرّاهنِ

لأتحسس أثرَ ابنيَ الذي ماتَ
قبل أن يستطيعَ إدراك أنه

وُلِدَ على هيئة رسالةٍ
خُطّتْ بمِدادٍ خفيٍّ عن

سائرِ الخلقِ، إلّايَ، وأن يعانقَني
لحظةَ أرفع ناظريَّ وأجهرُ

قائلاً: قد لمحْتُكَ هناك،
كان يستحيلُ ألّا

أميّزكَ. وأبادلَكَ
العناق.


■ ■ ■


بلوز النفيِ والترحيل

سافرتُ إلى بلاد عديدة
في القارتين الأميركيتين
وأخبرتُ الناس هناك
بما نعتزم فعله.

"نريد ترحيل ترامب
وأتباعه المقربين!"
لكن الجميع في تلك البقاع
رفضوا بشكل قاطع.

قالوا: "لسنا مكبَّ زبالة،
ولسنا ملاذاً لرجال العصابات.
في عيني ذلك الشخص وفي تغريداته
تكمن الحرب والموت

ثم إنه ورهْطه سيثيرون الروائح الكريهة في شوارعنا
حتى إن كلابنا ستتساءل:
ما نوع القَذَر الذي نزل بنا،
وما هذه الفصيلة الجديدة من أنفلونزا الكلاب؟"

واستطردوا: "اسمعْ، تلك العصابة
صَنعتِ العوزَ في بلداننا بذلك حين يُجبَرُ
فقراؤنا على الهروب من البؤس
تكون شركاتهم هي التي (حضّرتِ الطبخة)،

كي نواجه الموت على حدودهم
أو، إن ألقي القبض علينا، يكون مصيرنا الترحيل.
وبدلَ أن يُرحَّبَ بنا
في بلادهم، ونُمنحَ جوازات سفر،

ويُسمح لنا بالسفر والعودة كأيّ
أختٍ وأخٍ عاديين،
يتعيّن علينا أن نعيش ونعمل مثل
المجرمين مقابل أجور تُدفَع للعبيد

وسيف الترحيل مسلَط فوق رؤوسنا.
وتراهم دائماً يضيّقون
الخناق، حتى على مقطوعات البلوز هذه،
لذلك، وإلى أن يراجعوا قوانينهم

المتعلقة بالهجرة، ويتمثّلوا
الكلمات المنقوشة على تمثال الحرية،
يمكنك أن تأخذ معك طغمة الأسماك الفاسدة تلك
وترمي بها في أعماق البحر البارد".


■ ■ ■


ساتان أملس

ساتان الـBP* أملسُ
قتلَ ملايين الأسماك
ولا تزال هذه الـBP دون ضرائب تفرَض عليها،
رغم الـ11 جثة متفحمة
التي لا تزال قشور دمها تلطخ أيدي الشركة.

ولا تدفعْ أمامي، من فضلك،
بتوبيخ الرئيس لها.
إنه يحتاج ذلك النفط اللعين
لهدير طائراته ومروحياته
لكي تواظب على قتل الأبرياء في الخارج.

دعنا نسمعْها من أجل... البيانات الإحصائية:
كم حيواناً قُتلَ
في الخليج المنكوب والفقير؟
وكم جندياً انتحرَ
ومات بجرعة زائدة في أفغانستان،

عراقستان، نيويوركستان، إيرانستان،
سان فرانسيسكوستان. كم منهم
يُبرزون سكاكينهم لكي يضعوا حداً
لحيواتهم الـمُذلَّةِ الـمُهانة
التي لا تساوي بضعة براميل من النفط.

أو يصوبوا مواسير البنادق إلى الرؤوس
بدل أن يدفعوا جرذان BP
لملاقاة أضخم القطط في
تاريخ الإنسانية، التي تمتص أشلاءنا،
تستميتُ من أجل الفُتات ما بين أسناننا.


■ ■ ■


الأولاد

كلّ شيء سيتذكر
سيقانهم وأيديهم،
والفراغات مكانَ الأطراف المبتورة
ستوسمُ بـ"لا شيء"
في أرواحهم الصغيرة،
لن ينسوا يا إسرائيل،
أنك مزّقتِ أوردتهم
بنيران بنادقك، فليجللِ الخراءُ
الكلمةَ، ولتُقَلْ الـfuck you
حتى تصلَ الجنينَ في الرحم.

أُصدقكم القولَ إنهم لم يبولوا على
رمزكم المدنّس
بكليّته، وأحرُفُ اسمه
تلفيق وتزوير.
أتمنى لو أستطيع إطعامكم
بدَسِّ القنابل اليدوية في خطْمِ كلٍّ منكم،
أودُّ أن أحشوَ أعينكم
بالأولاد الموتى، يا هواةَ نسج
الأكاذيب.

أرجو أن تتكسر الـ"سِلاه"
في أفواهكم، وأرجو ألا تجدَ "آمين"
إصحاحاً أو مزموراً،
أرجو أن يتحول طعامكم إلى
أطراف مصابة بالغرغرينا
الأطراف التي بترتموها من الأولاد -
أشجارِ الجواهر الصغيرة هؤلاء.
قتلتم داؤود المرةَ
تلو الأخرى، أنتم يا نجمة الموت.

يا "عليا"** كم واطئة أنت!

يا الانتصار كم أنت الهزيمة!

يا الحجارة تكبرُ في
إحكام القبضات
المتّقدة غضباً،

ضدّكم،
يا ثعابين العظام!


■ ■ ■


تطهير عرقي صهيوني في الخفاء

1.
غضب يحتدم
في هذه الرقعة من الأرض
التي تجيش بالانفجارات
فتؤول حطاماً من الغزيين
اليائسين
والمشرَّدين الآن
المشتتين في العراء
أو تحت بقايا أشلاء
الأولاد---
أمضي إلى الماء فأكتوي،
إلى النار فأحترق،
وإلى الريح فأقول:
دعيني أكنس
هذا الشطر الحرام
الذي يدّعي العدالة
ويدرّب شرطةَ
الولايات المتحدة
على استهداف رؤوس وظهور
فقراء العالم بنيران أسلحتهم.
يا لها من إساءة فهم!
يا لها من مهزلة قاتلة
لمفارقةٍ
هي الآن محرقة،
وكانت محرقة
ومحرقة ستكون
بحق أبناء الشعب الفلسطيني
وهم يهود
هذا العصر،
يُقصفون، يُقتلون، ولا يزالون
يمشون فوق بحر من الدماء.

2.
يا أيها الشخوص الفارغون
في مستعمرة الموت.
أيها الثمن الفارغ
من برابرة عصريين
يقتلون دون
وهلة تساؤل.
هنا، كُنُسُ
الماء الملوَّث،
أغمرُ قلبي فيه
بعد أن أنتزعه
من صدري، ثم،
ويداي مرفوعتان،
أقول لكم
إن الجرائم التي اقترفتموها
في صيف 2014
هي بندقية في أيديكم
مصوَّبة إليكم
يا أيها المتعلِّمون أكثر من سواكم
يا أيها الراقون أكثر من سواكم
يا أكثر الأدمغة الاستعمارية استعباداً
في العالم،
وهكذا لا عجبَ
حين تضغطون عليه---
نعم، اضغطوا عليه، اضغطوا
على ذلك الزناد،
لعلّ رصاصة
تطهيركم العرقي الصهيوني
تضع أخيراً نُقطةً
على نظامكم الذي
أُجبرنا لعقودٍ على
قراءته ككتابٍ رديء..


■ ■ ■


هولي مولي
Holymoly

تكاد تمضي
ثلاثون سنةً مذْ هجرتْ إيلين
نورث بيتش
ورغم أنها توغلُ الآن
في التسعين من عمرها، لا أحدَ ينسى
المرأةَ التي كانت جزءاً من فريق
الشعراء والكتّاب الأوائل
الذين أسسوا "غبطة"، مجلةَ
نورث بيتش، بما فيها من
الشعر الإبداعي الحُرّ في هذه الولايات المتحدة.
كانت هي وبوب كوفمان،
مَن علمني كلماتِ
النشيد الوطنيّ السوفييتي
أيام حكْم يوسف ستالين، النشيد
الذي طالما أنشدناه
في هذه الحانة بالضبط
حيث قَذَفَنا النُّدُلُ
بالثلج--- وأيضاً كانتْ برفقة
بيل مارغوليس حين تأسيس "غبطة"
وبقيتْ أبداً
كاتبةَ المذكراتِ الأمَّ لكل
تلك الأيام الهامةِ المؤسِّسة لجيل الـBeat،
وصديقها اليهودي الأسود الفوضوي المذهل، وابنهما
باركر--- ومن أيضاً، تشارلي؟-
وحتى حين غابَ الانثناءُ بين الأيدي والسيقانُ المنفرجةُ
من رقصهم، بقيتْ ذاكرةَ كلِّ شيء---
يا إلهي، يا لتلك الروح الرهيفة سهلة الانكسار،
تلك الخصلة من شَعر
راقصة متحمسة أبداً
لا بدّ أنها في تسعينها،
وثلاثون راحتْ في غمضة عين،
قد رحلتْ، لكنها بالضبط هنا،
أتهجى "الضبط" ضاد، باء، طاء
وأستمرُّ
ولا أتوقف
وكذلك لن تفعلَ هي،
حتى حين الموت.


_____________________________________________

شاعر في الخطوط الأمامية

يعتبر جاك هيرشمان أحد أكبر شعراء أميركا الأحياء. شاعر سياسي ولا ينكر التهمة. يسأله مذيع في لقاء تلفزيوني عن البروبغندا فيكون رده أن الكلمة ليست سلبية عنده ولا تزعجه وأن الجميع في الواقع يقومون ببروبغندا. يقول للمذيع: "قمت بكثير من البروبغندا للحب". تعوّدنا على رؤيته في العقدين الأخيرين مع رفيقة دربه الشاعرة أغنيتا فالك (الصورة) وهما يجسدان ما يقوله شعرهما.

ولد هيرشمان عام 1933 في مدينة نيويورك ونشأ في برونكس. اشتغل في شبابه محرراً لدى وكالة الأسوشييتد برِس، ثم عملَ أستاذاً جامعياً، قبل أن يطرد لأنه كان عضواً ناشطاً في جماعة مناهضة للحرب، ومنذ ذلك الحين أقام في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا.

عُرف هيرشمان بمزجه السياسة بالشعر، وهو عضو في جماعة "شعراء الشارع" الذين يوزعون صفحات من الأشعار المطبوعة على المارّة في الشوارع. أسهم في تشكيل رابطة الكتاب اليساريين في سان فرانسيسكو، وحظي بلقب أمير شعراء هذه المدينة.

اعتبره الفرنسيون شاعراً شيوعياً من الطراز الأول، وكان هو يعتبر ماياكوفسكي "شاعرَ الشارعِ الأولَ". كما أنشأ علاقة دائمة مع فريق البيتلز وسائر العصبات اليسارية الأميركية.

بعض قصائده يرقى إلى ما كتبه والت ويتمان وهارت كرين وديلان توماس وآلن غينسبرغ ونيرودا. كان شيوعياً متحمساً، طالب الشعراء والفنانين بالتوحد وتشكيل ما يشبه "أممية ثقافية". هجر التدريس في الجامعات، ورفض النشر في المؤسسات التي تسير مع التيار العام، فكان يطبع على نفقته 150 نسخة، أو ينشر لدى دور نشر يسارية صغيرة.

من أعماله: "الأميركيون" 1960، "ليريبو" 1976، "الخطوط الأمامية" 2002، "كلّ ما تبقّى" 2008. ترجم أعمالاً عن الروسية والفرنسية والألمانية واليونانية والإيطالية والإسبانية والفييتنامية وسواها.



* BP هي شركة British Petroleum التي اشترت شركة النفط الأميركية Amoco منذ عقد ونيف، وتعتبر الآن من شركات النفط العملاقة العاملة في أميركا والعالم. (المترجم) 

** "عليا" كلمة عبرية تشير للهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين. (المترجم) 

*** ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون