جورج براك في زيارة مغربية

جورج براك في زيارة مغربية

07 أكتوبر 2014
"طائر يمرّ داخل غيمة" (1957)
+ الخط -

تحتضن "دار الفنون" في الدار البيضاء (حتى 23 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل)، بالتوازي مع "المركز الثقافي الفرنسي" في الرباط (من 9 حتى 22 من الشهر الحالي)، واحدة من أبرز التظاهرات الفنية التي تدشّن الموسم الفني الجديد في المغرب. الحديث هنا عن الفرنسي جورج بْراك (1882 ـ 1963)، أحد أسماء الفن الأوروبي الرئيسية في القرن العشرين، والذي يحضر في هذين المعرضين من خلال 70 عملاً فنياً حفرياً.

برز اسم بْراك حين قام الشاعر الفرنسي غيّوم أبولينير، عام 1907، بتقديمه، وهو ما يزال شاباً، إلى فنان شاب آخر هو الإسباني بابلو بيكاسو، الذي سيشكل معه، لاحقاً، ملامح وأسس المدرسة التكعيبية. هذه العلاقة ستكون مفصلية في حياة وتجربة براك، إذ سيصبح له إسهامه الخاص في تثبيت ركائز الاتجاه التكعيبي في الفن، بعدما انتبه، بتأثير من بيكاسو، إلى ضرورة إعطاء لمسته الفنية بعداً تركيبياً أكثر شكلية مما كانت عليه في مرحلتها التوحشية (Fauvisme).

لعل هذا الأمر سيبدو واضحاً في لوحة براك الشهيرة "العارية الضخمة" التي أنجزها ما بين سنتي 1907 و1908، والتي تعكس عدداً من قناعاته المشتركة مع بيكاسو. ومن أبرز هذه القناعات الابتعاد عن الشكل النمطي لرسمة الجسد البشري في بعدها الكلاسيكي، وتفادي الارتهان لعنصر الإيهام، الذي يركّز داخل فضاء اللوحة على نقطة منظور محددة تقود إلى نقطة التلاشي، في ما يعتبر سبقاً تاريخياً في نقل الأشياء بأبعادها الثلاثية على سطح اللوحة.

هذه الروح الإبداعية الواثقة، سرعان ما انتبه إليها أبولينير، حين اعتبر، في كلمة خص بها أحد معارضه في باريس، عام 1908، أن براك "يسعى بشوق عارم نحو الجمال، ومن ثم يبدو أنه يقوم بتحقيق ذلك من غير أي جهد يذكر [...] ما دام يستمد عناصر موضوعاته التركيبية من داخل ذاته".

بسبب ما عاشه من أهوال خلال الحرب العالمية الأولى، التي أصيب خلالها بجروح خطيرة كان لها الأثر الحاسم على بعض قناعاته الجمالية؛ اختار براك التخلّي عن تلك الأشكال الهندسية ليعوّضها بمناظر من الطبيعة الميتة، التي تُظهر الأشياء داخل هندسة مختلفة التركيب. وخلال المرحلة اللاحقة، التي ستستمر إلى غاية سنة 1930، سيقوم بإنتاج مناظر ووجوه بشرية، تعكس تناسقاً باهراً ضمن تنوعها الموضوعاتي.

عاش براك حياة مثقف كتوم، ونادراً ما كان ينخرط في العلاقات العامة. كما كان مولعاً بالموسيقى والشعر. ولهذا، جمعته صداقات حميمة مع كل من عازف البيانو والموزع الموسيقي إريك ساتي، والشاعر رونيه شار، والنحات ألبرتو جياكوميتي. وعلى الرغم من دوره الريادي في تجديد مدونة الفن الحديث، ظل براك حريصاً على عدد من القيم والتقاليد الكلاسيكية، ما جعل النقاد يعتبرونه أحد أهم الأسماء في تاريخ الفن الفرنسي، بكل ما يحفل به هذا التاريخ من أسماء طليعية.

دلالات

المساهمون