"بوكيمون غو": جماهير على أهبة الاختطاف

"بوكيمون غو": جماهير على أهبة الاختطاف

16 يوليو 2016
رسم كرتوني/ سيتف كاتس
+ الخط -

لم تأتِ أسئلة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول لعبة "بوكيمون غو"، التي شغلت مواقع الأخبار قبل أن يعرفها الناس، من فراغ. الأمر لم يتجاوز في بدايته سلسة من الأخبار المكثّفة عن اكتساح اللعبة لأسواق بعض بلدان العالم (الولايات المتحدة الأميركية ونيوزيلندا وأستراليا، إلى جانب بلدان أخرى كسر جمهورها الحجب المفروض على اللعبة)، وتساؤلات عن ماهيتها الغامضة، ما دفع مهتمّين إلى محاولة الإجابة على سؤال: ماذا تعني "بوكيمون غو"؟

اللعبة التي أصبحت "قنبلة الموسم" بعد أيام قليلة من إطلاقها، لم تسلك المسار الذي تمرّ عبره الصرعات المتلاحقة في عالم تكنولوجيا المعلومات؛ حيث الدارج لتحقيق شروط التفوّق، هو الإقبال على المنتجات من قبل المشتركين وتداول آرائهم حولها. العكس هو ما حدث فعلاً؛ إذ وفي صبيحة أحد أيام الأسبوع الفائت، فوجئ الناس كما لم يُفاجأ أحد من قبل، بأخبار تتحدّث كلّها عن لعبة جديدة، وأن اللعبة تكاد تتفوق في عدد مشتركيها على عدد المشتركين في تويتر، قبل أن يُشاع تفوّق اللعبة على عدد مشتركي فيسبوك الذي تجاوز المليار.

جديد صرعة "بوكيمون غو"، هو مزاوجتها الافتراضي بالواقعي، إذ تتعدّى وظيفة اللاعب فيها حالة النقر المتواصل على الشاشة الذكية، إلى الركض في الشوارع بحثاً عن قطع اللعبة وملحقاتها في الحدائق العامة والأسواق؛ الأمر الذي تحوّل إلى مادة خصبة للتعليقات والمقاربات الساخرة.

بهذه العلاقة الديالكتيكية بين الافتراضي والواقعي، تكون شركات الألعاب الإلكترونية قد دخلت عصراً جديداً يتجاوز حدود الأجهزة الذكية إلى الواقع المباشر بكل ما يقتضيه من استخدام مفرط للحواس. وأمام أخبار كانت وظيفتها الوحيدة أن تبهر القرّاء بتوحّش اللعبة الجديدة، استسلمت الجماهير للأمر في الوقت الذي كانت اللعبة بامتيازاتها الكاملة متوفّرة في ثلاثة بلدان فقط، الأمر الذي يفتح باب التساؤل على مصراعيه: كيف للعبة تتوفّر في متاجر ثلاثة بلدان فقط أن تكتسح المزاج العالمي بهذه السرعة وبهذه الفعالية وبأرقام وإحصائيات تثير الدهشة؟

أمام ذلك كلّه، تظهر ملاحظات جدّية حول أشكال ارتهان الجماهير، وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي جزء منها، في ظل الانشغال جدّياً بإحداث مقاربة موضوعية تربط تواطؤ وسائل الإعلام أو تورّطها في رسم رأي عام يذهب بعيداً في تعزيز ثقافة الاستهلاك السلبي من جهة، وبين إعادة ترتيب خريطة الأولويات التي تحكم الفرد، الموغل في فردانيته من جهة أخرى، الأمر الذي يحيلنا وبلا سابق إنذار إلى ما أشار إليه بيير بورديو في قبل عقود حول "حالة اغتصاب الجماهير" ضمن منظومة ما بات يعرف بصناعة المزاج العام من قبل الأنظمة السياسية والاقتصادية، بتهييئه لهذا النوع من التجارب.

والجماهير ذاتها، التي لم تسلم أصلاً من فكرة اغتصابها بفعل أدوات مواقع التواصل الاجتماعي، تدخل بكل أريحية إلى حلبة جديدة من حلبات صناعة المال لصالح الشركات الكبرى أو الشركات متعدّدة الجنسيات، تقودها هذه المرّة شركات ألعاب ما بعد القرن العشرين، و"نيانتيك"، الشركة المصنّعة لبوكيمون، واحدة منها.

بمنظومة ألعاب "ما بعد القرن العشرين" أو ألعاب البعد الرابع، يبدو جلياً أن هذه الظاهرة قد تجاوزت فعلاً المرحلة "الفقاعية" المؤقّتة منها، حتى وإن اندثرت لعبة "بوكيمون غو"، بعد شهر أو شهرين أو أكثر، فالمؤكّد من ذلك كلّه، أنها تؤسّس، ووفق خبراء في المجال، إلى نمط جديد من الألعاب يعيد إنتاج نفسه باستمرار، سيكون عماده الأساس كالعادة؛ تلقّف الجماهير الهستيري لكل سلعة جديدة.


دلالات

المساهمون