ستيفن غيمبل: قلبُ آينشتاين الحزين والمحبط

ستيفن غيمبل: قلبُ آينشتاين الحزين والمحبط

10 يونيو 2015
آينشتاين ورئيس "الفيدرالية العالمية المتحدة" كورد ماير (1948)
+ الخط -

اختار آينشتاين منذ بداية مشواره الفكري أن يبتعد عن المنظور الديني في فهم الحياة، معتمداً على الحقائق التي تُستنبط من التأمل وسبر أغوار الكون. لكن ظروف عصره التي اضطهدته كيهودي، دفعته إلى الشعور بالمسؤولية حيال اليهود، فقد كان أقرانه ينادونه وهو في الابتدائية بـ"الصبي اليهودي"، وعانى في بحثه عن وظيفة في ألمانيا بسبب دينه أيضاً، حتى رحل إلى سويسرا.

لقد طوّر العالم الألماني رؤيا خاصة لديانته تتفق مع المبادئ الإنسانية التي يؤمن بها. ومن هذا المنطلق، اشتغل ستيفن غيمبل على كتابه الجديد "آينشتاين فضاؤه وأزمانه" الصادر هذا العام عن منشورات "جامعة ييل" الأميركية.

يعود بنا غيمبل إلى طفولة آينشتاين حيث وُلد سنة 1879 لأبوين يهوديين في ألمانيا، ودخل مدرسة كاثوليكية، وتعرّض لمضايقات كثيرة بسبب يهوديته. وفقاً لغيمبل، فقد أصبح لديه "التزام عميق بممارسة اليهودية"، لكن ذلك لم يدم طويلاً؛ فبمجرّد دخوله للثانوية أصبح متشكّكاً، مُفضّلاً الاعتقاد بكونٍ مادي كلي تُوجّهه مبادئ عقلانية قابلة للاكتشاف عبر التحقيق العلمي.

عبر هذه المعاناة الشخصية، يُفسّر غيمبل مساهمات آينشتاين في الحركة اليهودية العالمية، سواء بالكتابات في الصحف مُروّجاً لمعاناة اليهود، ثم مُتحمّساً لأفكار الصهيونية، كما شارك في جمع التبرّعات مع حاييم وايزمان زعيم المنظمة الصهيونية وأول رئيس لدولة إسرائيل.

كان آينشتاين، بحسب غيمبل، منتمياً إلى الصهيونية، ومؤيداً لتأسيس إسرائيل، ولكنه في الوقت ذاته ظل مُتوجّساً من فكرة تحويل فلسطين إلى وطن قومي ليهود العالم، ومؤمناً بقيم التشارك الطوعي بين الجانبين. لقد رأى إمكانية التعايش المشترك بين اليهود القادمين من دول غربية، وبين العرب الفلسطينيين، وأمل أن يثمر احتكاكهما عن تعايش مشترك.

لكن بريطانيا استخدمت سلطتها وفرضت تعايشاً قسرياً بين الطرفين، وقمعت تمرّد الفلسطينيين عام 1929، ومنذ ذلك الحين تغيّرت نبرة آينشتاين، ونشر مقالاً آنذاك بعنوان "يهود وعرب" يؤكد فيه أن الاحتكاك بين الطرفين لا مفرّ منه، وانتقد "غياب الاتصال في الحياة اليومية" بينهما؛ ما ولّد "مناخاً من الخوف وعدم الثقة المتبادل"، وطالب اليهود بالاستفادة من "معاناتهم عبر التاريخ" التي افترض أنها منحتهم "فهماً كافياً وتبصّراً نفسياً" تجعلهم قادرين على التعامل مع المشاكل التي يواجهونها مع العرب.

استغل آينشتاين في سويسرا تعيينه كموظف حكومي ليسبر غور أفكاره ويتهيّأ لمرحلة النشر التي ظهرت فيها مفاهيمه عن الفضاء والزمن والحركة والكتلة، وليُحدث ثورة بلغ أثرها مجالات عدة في التفكير البشري، ويحصل بعدها على جائزة نوبل (1921).

يذكر مؤلف الكتاب أن مناداة آينشتاين بالسلام جاءت في سياق معارضته لممارسات اليهود المستوطنين في فلسطين، وللقنبلة الذرية التي استخدمتها أميركا في هيروشيما، لكنه يكشف من جهة أخرى أنها روايات شكّك فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي في أميركا إلى درجة تخصيص ملف حول هذه القضية.

حاول غيمبل هنا توثيق مواقف آينشتاين برسائله ومقالاته، مبرزاً دور "معاداة السامية" في تشكيل أفكاره، وكذلك استعرض رسائله ومقالاته حول "إسرائيل" وتطوّر موقفه من مؤيد إلى منتقد إلى متألم، كما يُعرّج على انتقاده تفجير القنبلة النووية في هيروشيما.

يقول غيمبل إن آينشتاين عاش مُروّعاً في جزء كبير من حياته بسبب ما تحمله القنبلة النووية من احتمالات مفزعة، وأعلن في مناسبات، ذُكرت فيها أمامه قنبلة هيروشيما، عن شعور يلازمه ناجم عن إحباطه من سلوكيات أميركا العدوانية، حتى أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية كتب: "انتصرت الحرب، وليس السلام".

المساهمون