المدينة مشروعاً تأمليّاً.. حواجز بين المجتمع والفلسفة

المدينة مشروعاً تأمليّاً.. حواجز بين المجتمع والفلسفة

19 فبراير 2016
مقطع من عمل لـ عماد جميّل/ تونس
+ الخط -
تحضر علاقة الفلسفة بالمدينة ضمن تاريخ التفكير الفلسفي منذ العصر اليوناني القديم، وفي تلازم هذه العلاقة استطاعت الفلسفة أن تجعل من "المدينة" فضاءً ومحفّزاً على إنتاج الأفكار والأسئلة.

في هذا المنحى، وضمن فعاليات "المعرض الدولي للكتاب والنشر" في الدار البيضاء، انتظمت ندوة "المدينة والفلسفة"، شارك فيها عدد من الباحثين في الفكر والعلوم الإنسانية، مثل نبيل فازيو ومحمد الدكالي وعادل حدجامي، فيما أدار النقاش عزالعرب لحكيم بناني.

انطلقت الندوة من الأرضية التي انبثق منها التفكير الفلسفي تاريخياً، والتي ارتبطت بتطوّر مفهوم المدينة في الحضارات القديمة وصولاً إلى شكلها اليوناني الذي كان حاضنة "محبّي الحكمة"، إذ تمت الإشارة إلى أن الفلاسفة كانوا "يؤسسون لمشاريعهم الفلسفية التأملية في علاقة بالمجال الذي يحتضنهم"، وعلى هذا الأساس تحضر المدينة "كمشروع تأملي"، كما هو الحال مع أفلاطون الذي صاغ منها نموذج المدينة الفاضلة بما هي مجتمع مختلف ومتميّز.

تطوّرت هذه العلاقة عبر مراحل تاريخية، ظلت تشغل الفلسفة براهنية وشائجها وتقاطعاتها، إذ بيّن الباحث محمد المصباحي علاقة العقل بالمدينة، من خلال تأشيره على حضور العقل "كاستعارة للفلسفة، فيما أن المدينة استعارة للسياسة والدولة"، لينتهي بالقول بفشل "المشاريع الفلسفية" باجتهاداتها العربية الرائدة، في "خلق رأي عام عربي وإسلامي يؤمن بالعقلانية"، وهنا اعتبر ابن رشد المنبّه الأول إلى ضرورة أن تنأى الفلسفة بنفسها عن المذاهب وعن الجمهور، لتحافظ على وجودها كقول مستقل.

المتدخلون في الندوة حاولوا تبيان كيفية إعادة بناء هذه العلاقة في التفكير الفلسفي الحديث، وفق منظور جديد لدور ووظيفة الفلسفة في المدينة، وفي قدرة التفكير الفلسفي على تحقيق وفتح منافذ جديدة للمدينة للوصول إلى الرقي، تنأى بالمجتمع عن إكراهات متعددة (اقتصادية وأمنية...) على اعتبار أن هذا التفكير قادر على بلورة هذه الوظيفة. ويبدو أن أهم خلاصات الندوة كانت ضرورة تجسير الهوّة بين عملية التفكير الفلسفي والمدينة بمصالحها واعتباراتها الخاصة، نظراً لـ"سوء الفهم" الطويل الذي ساد عن علاقتهما معاً والرغبة في الاعتراف المتبادل.

جرت، في هذا الاتجاه، الإشارة إلى أن اجتهادات أرسطو لا تزال مفيدة إلى اليوم في فهم "المدينة" باعتبارها مجموعة من الناس "تتوافق" على العيش في فضاء محدد، فالتفكير الفلسفي قادر بهذا المعنى على بلورة العديد من المعارف لخلق شروط "السعادة"، من هنا الحاجة للفلسفة بقيمها العقلانية، وأبعد ما تكون على "المجرّد" في إيجاد نقط التقاطع الممكنة للعيش. هكذا، تنشأ علاقة التوتر بين التفكير الفلسفي والمدينة، الى جانب "أنماط" التفكير المحددة لطبيعة حضور الفيلسوف الذي لا يتعامل مع "عامة المواطنين"، وفي المقابل لا تلتزم المدينة بالاعتراف بالقيمة المعرفية والرمزية للفيلسوف.

ضمنياً، ظل التفكير الفلسفي منشغلاً بالقضايا الكبرى، وبأسئلته الخاصة عوض الانخراط في الشأن اليومي، خصوصاً أن التطوّرات الحديثة التي شهدتها المدن، والتي لا تستجيب بالضرورة إلى "منظومة مدينة أفلاطون الفاضلة"، تفتقد الى منظومة من القيم تستطيع من خلالها الإنسانية ترسيخ حضورها داخل هذا التطوّر. ثمة اليوم ضرورة إلى مراجعة هذه العلاقة الملتبسة بين الفلسفة والمدينة، في ضوء التحوّلات التي مسّت من جهة المدن، ومن أخرى التفكير الفلسفي، كما أن الراهن وما يقتضيه من حلول ومقاربات يثير أكثر الحاجة إلى قطع هذه الفواصل بين الفلاسفة والمجتمع، وهو ما سيخلق جواً عقلانياً يمكّن من ترسيخ قيم التعايش.

ما يقارب الـ120 نشاطاً تشهدها البرمجة الثقافية لفعاليات الدورة الـ22 من المعرض، الذي يختتم غداً الأحد. تهيمن على هذه البرمجة الفعاليات الاحتفائية بكتّاب ومثقفين وفنانين مغاربة رحل معظمهم السنة المنقضية، كالباحثة السوسيولوجية فاطمة المرنيسي، والمؤرخ عبد الهادي التازي، والإعلامي محمد العربي المساري. كما يشهد المعرض بانتظام فقرات مثل "ساعة مع كاتب" و"أصوات جديدة في الكتابة" و"لحظة شعرية" و"تقديم كتب" و"ثقافات متقاطعة" و"أسماء فوق البوديوم" التي تحتفي بالمبدعين والمفكرين المغاربة المتوّجين بمختلف الجوائز الدولية، إضافة إلى تظاهرة "كتب في الطريق إلى التتويج".

حسب الأهداف المعلنة من قبل المشرفين، فإن المعرض يصبو إلى أن يكون صورة للزخم الثقافي في المغرب، ومن خلاله يمكن بلورة مشروع "الانخراط في تعزيز الرؤية الاستراتيجية للمغرب الثقافي".

للإشارة، فإن المعرض كان مناسبة للجدل بسبب تأجيل تتويج الفائزين في جائزة المغرب للكتاب، حيث تقرّر تغيير موعد انعقادها إلى 29 من الشهر القادم. وحسب المعطيات الرقمية للأعمال المرشحة لهذه الجائزة، بلغ مجموع الكتب المقدمة في مختلف الأصناف الـ175 عملاً، موزّعة بين السرديات (67 عملاً)، والدراسات الأدبية والفنية واللغوية (42)، والعلوم الإنسانية (36)، والشعر(31)، والعلوم الاجتماعية (23)، والترجمة (14).


اقرأ أيضاً: مكتبات الأدباء.. سير منفصلة

المساهمون