شاشة سوداء تماماً

شاشة سوداء تماماً

24 يوليو 2019
(عمل نحتي تحت الماء لـ جيسون دي كيري تايلور)
+ الخط -

موعد

تمطر وأغصان الشجر تذروها الريح. تمطر وساحة أولاليا فارغة. لجأنا ـ صديقي وأنا ـ إلى مظلة الأتوبيس، بعد يأسْنا من الظفر بمقهى.
تمطر ونتكلم عن الكتابة والقراءة. تمطر ويمضي أتوبيس، فيأتي آخر.
فجأة ننتبه إلى خنزير برّي يقف قريباً ويحكّ خطمه بالأسفلت.
صديقي قال: أول مرة أرى الخنزير!
بعد ساعات، أُوصلُهُ إلى محطة بيو ديل فونيكولار، وأنحدر مواجهاً العاصفة الرعدية وأضواء السيارات.
أدخل بيت اللجوء، وأنا أفكّر بالبدايات وأحلامها، وبقسوة ما ينتظره صديقي.
حين أستيقظ في الضحى يكون الخنزير البرّي بانتظاري تحت السرير.
جاء كي يطوي صفحة، ويفتح أخرى.


■ ■ ■


لامبالاة

هذا كل ما في الأمر: محض صدفة.
في السادسة وثلاث دقائق، من صباح الثالث عشر من أغسطس، ولدت فيرونيكا، حفيدة رودريغو السابعة.
في السادسة وثلاث دقائق، من مساء اليوم نفسه، مات رودريغو ألفونسو، جدّ فيرونيكا وستة أحفاد آخرين، بلا مرض.
وعلى من لا يؤمنون بالصدفة، أن يستبدلوها بشيء آخر: حياد الوجود.
بغير هذا ـ أنا الكاتب ـ لن أقبل.


■ ■ ■

ترويض

لترويض الغربة، يحتاج أدولفو إلى أصدقاء وإلى علاقات. لكنه روّضها بالحديث العالي مع الجدران وآلهةِ المايا القديمة والبابِ المغلق وطيفِ أمه والشبّاكِ ذي اللوح المكسور. بعد ذلك لم يعد أدولفو يُرى في شارع بورتافَرّيسا، ولا في أي شارع سواه، غريباً على الإطلاق.


■ ■ ■

بكاء

يروق للبشر أن يضيّقوا على أنفسهم. يروق للحياة أن تأكلهم كماكنة. لكنّ جوان مانيل لا يروقه كلُّ هذا (في الحقيقة، هو مذ سقط من بطن أمه نوريا وهو مشمئز من القوانين العامة للعبة). لذلك، يحدث أن يكسر الكؤوس ويبكي في الحمّام قليلاً ـ وإن على فترات متباعدة.


■ ■ ■


حصار

صفحة السماء سوداء تماماً. يبتعد عن الشرفة.
شاشة التلفزيون سوداء تماماً. يبتعد عن الشاشة.
الفِطْر في الثلاجة أسود تماماً. يغلق الثلاجة.
وحده شعري أبيضَّ تماماً. يشيح عن المرآة.
يلبد تحت الحرام، وهناك يمارس رياضته اليتيمة:
الركض خلف خيط كهرباء.


■ ■ ■

قبل حلول الليل

1 - تغرُب الشمس.
2 - يرجع الموظفون إلى بيوتهم، بمعلّبات الفاصولياء.
3 - يهيّىء الرب سريره مقتولاً من الضّجر.
4 - تُسمع فرقعات في السماء، يتسافد حرذونان، وتنقلب شاحنة.


■ ■ ■


الحق على النسر

حلُمَ أنه تحت مخالب نسر، والنسر يقطع به سلسلة كوليسرولا، صعوداً وهبوطاً، وهو ينضح عرقاً.
حين استيقظ، كان هذا يكفي ليفضّ الجيران خناقة نشبت مع زوجته.
لما غادروا، اعتذر لها بكل خجل:
ـ سامحيني، الحق على النسر.
وهي اعتذرت أيضاً:
ـ سامحني، ظننتك فعَلْتَها في السرير.


* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة

المساهمون