صمت الشخصية الروائية

صمت الشخصية الروائية

21 سبتمبر 2018
مارلين دوماس/ جنوب أفريقيا
+ الخط -

من أكثر الروايات التي احتفلت بها الثقافة العربية، كمثال على أدب المقاومة في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، كانت رواية "صمت البحر" للكاتب الفرنسي فيركور التي نشرت أثناء الاحتلال النازي لفرنسا.

ومع ذلك، فإن الرواية غير معروفة بين القرّاء العرب اليوم، وقد نفدت طبعاتها، على الرغم من أنها ترجمت أكثر من مرة في مصر ولبنان، وطُبعت أكثر من مرة أيضاً، وهي فوق ذلك لا تزيد عن مئة صفحة من القطع الصغير.

ومن يقرأ الرواية لن يجد فيها أي ملمح ثوري، ولا تحمل أي دعوة صريحة معادية للاحتلال. ولقد وجدتُ أن معظم من قرأوا هذه الرواية، وهم قلة في الحقيقة، لم يستطيعوا تقبل فكرة أن تكون رواية مقاومة، وأنت تعرف أن الأحداث قد وقعت في فرنسا.

ولكن الروائي لا يذكر لنا أين هي البلدة التي حدثت فيها، وثمة من يقول إن الأسباب الأمنية كانت وراء هذا التخفي الذي شمل اسم الكاتب أيضاً. ولكن إخفاء اسم البلدة يكبّر الصورة ويجعلها تضم فرنسا التي تواجه الاحتلال النازي.

ويشير كتاب "تاريخ فرنسا الثقافي" إلى أن اختيار العنوان أي "الصمت" كان واحدة من الممارسات التي دعا إليها عدد من كتاب فرنسا إبان الاحتلال النازي، كشكل من أشكال مقاومة المحتل.

أما الروائي الذي لم تعرف فرنسا اسمه الحقيقي إلا بعد انتهاء الحرب، وزوال الاحتلال، فهو حفار زنكوغراف فرنسي اسمه جان بروللر، وقد أنشأ بالتعاون مع زميلين له ، دار نشر سرية في زمن الاحتلال، سموها "منشورات منتصف الليل" نشر فيها روايته هذه بالاسم المستعار الذي اختاره لنفسه "فيركور".

وتثير هذه الدعوة التي اتخذت من موضوعة الصمت أساساً لها في مواجهة الاحتلال الأجنبي إشكالاً فكرياً وفنياً، فالكتابة نفسها وكل ما يرافقها من نشاطات كالنشر والتوزيع والدعاية، إذا ما احتجنا إليها لزيادة انتشار الكتاب، أعمال جهيرة تناقض الدعوة إلى الصمت التي تبناها الكاتب نفسه خياراً في الحياة.

وما يتبقى لنا هنا هو صمت الشخصية الروائية كفعل مقاوم، لا صمت الروائي الذي قدّم لنا هذا النص الجميل ونشره إبان الاحتلال النازي نفسه. ومن الصعب أن يشكل خيار الشخصية الروائية هنا نموذجاً للقياس في مواجهة المحتل، ولعل خصوصية الموقف وفرادته، ويمكن القول: غرابته، أن تكون من أسباب القيمة الإنسانية التي رافقت هذه الرواية.

والغريب في أمر هذه الرواية هو أنها لا تقدم لنا صورة محتل متوحش بليد، بل صورة ضابط مثقف يحب الموسيقى والأدب، ويحترم ثقافة صاحبي البيت وشخصيتهما. وكل ما في الأمر أنه استخدم ما يدعي أنه "حقه" كمحتل في السكن والسهر والطعام في منزلهما.

لكن الجد والحفيدة يرفضان وجوده كله بأي صورة من الصور. وسوف يضفي هذا الأمر على المقاومة معناها الإنساني الشامل، إذ إن المرء لا يقاوم بسبب عنف المحتل أو الغاصب وافتقاره إلى الشرعية القانونية، وحسب، بل بسبب وجوده غير الإنساني وغير الأخلاقي أيضاً.

دلالات

المساهمون