أصدقاء لغتنا: مع محمد تشِليك

أصدقاء لغتنا: مع محمد تشِليك

22 ديسمبر 2019
(محمد تشٍليك)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية. "علينا أن نجتهد أكثر في الترجمة كي ندرك عصرنا المشرق من جديد"، يقول المترجم التركي لـ "العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

- بدأت علاقتي باللغة العربية منذ طفولتي بتلاوة القرآن، ودرست علوم اللغة العربية أولاً على أبي رحمه الله بطريقة تقليدية، تهتم بالقواعد أكثر من الممارسة والمحادثة ثم درست في ثانوية "إمام خطيب"، حيث تحتوي مقرّراتها على دروس اللغة العربية ثم درست في كلية الإلهيات، وفيها تعتبر دروس اللغة العربية عنصراً من العلوم الإسلامية. وفيما بعد تحوّلت هذه البذرة شيئاً فشيئاً إلى الشغف بالأدب والثقافة. بدأت أتابع الأدب الحديث والعلوم الاجتماعية والفكر العربي الحديث عبر الإنترنت أو الكتب حسب إمكانية الوصول إليها.


■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقيه؟

- أول كتاب ترجمته من العربية إلى التركية هو "العقل الأخلاقي العربي" لـ محمد عابد الجابري. وهذا الكتاب كان المجلد الرابع من سلسلة "نقد العقل العربي". في البداية أحببت أن أجرّب نفسي في مجال الترجمة وطلبت من "دار المعنى" أن أترجم كتاباً من العربية إلى التركية، وصاحِب الدار اقترح هذا الكتاب. واستغرق عاماً ونصف من وقتي.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟

- ترجمت للمؤلف نفسه، أي محمد عابد الجابري، كتاب "فكر ابن خلدون: العصبية والدولة" عن "دار المعنى" أيضاً. وبين أعمالي المترجمة كتاب المفكر المغربي طه عبد الرحمن "الحق العربي في الاختلاف الفكري" ترجمته لـ "دار المحيى" ولكن لم ينشر بعد. وأترجم منذ بضعة أشهر كتاب محمد المختار الشنقيطي المسمى بـ "أزمة الدستورة في الحضارة الإسلامية" وسيصدر قريباً عن "دار المعنى".


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟

- ترجمت في مجال الفكر الإسلامي والعربي، فأعمالي المترجمة سواء كان من الجابري أو من غيره تتضمّن المقتطفات من المصادر القديمة، بل أكثر من خمسين بالمائة من المحتوى هو مقتبسات من مؤلّفات القدماء، وهذا يسبّب صعوبة لأن الأسلوب يتغيّر دائماً، والنصوص المقتبسة تكون مقطوعة عن سياقها. وترجمة أعمال مثل أعمال الجابري تحتاج إلى استيعاب العلوم الإسلامية، إضافة إلى استيعاب الفلسفة القديمة والحديثة.

لحسن حظي كنت متخرجاً من كلية العلوم الإسلامية وأحب قراءة الكتب في مختلف المجالات. ومع ذلك لاجتياز الصعوبات، قرأت كل أعمال المؤلف والكتب الجانبية المساعدة، ثم خلال ترجمتي قرأت كثيراً من المقالات والكتب التي تتعلّق بالموضوع. التحدي الآخر في الترجمة من العربية إلى التركية هو الكلمات المشتركة أحياناً، لأن المفردات الدخيلة على التركية وأصلها عربي تستخدم في التركية بمعنى مختلف، ولذلك قد تختلط الدلالات في الفهم.

أحب الأدب التركي قارئاً وكاتباً، وفي هذا الإطار أصدرنا مثلاً مجلة أدبية مع الأصدقاء، وأكتب بعض الأشياء في المجلات الأدبية حالياً، وهذا يساعدني في إتقان الإنشاء. المترجمون من العربية كثيرون في تركيا ولكن القليل منهم فقط يجيدون العمل لسبب حاجتهم إلى مهارة الكتابة في التركية وعكسه صحيح أيضاً في الترجمة من التركية إلى العربية، حيث المترجم يحتاج إلى مهارة الإنشاء في العربية، وهذا هو الشق الثاني من عمل الترجمة.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟

- الترجمة من العربية إلى التركية في كل مجال كانت حيوية وما زالت، بما أنها تشمل على الروايات والشعر والفكر، وهذا يدل على استمرار الحضارة المشتركة. ولكن في الفترة الحديثة، يركز شعبنا مثل الآخرين على الفكر والأدب الغربيين أكثر من العرب. ومع ذلك، فإن حركة الترجمة من العربية الحديثة ليست قليلة وتزداد كل يوم. حركات الترجمة في بلادنا تتطوّر تدريجياً رغم أنها لا تكفي. مع أن محاولات الترجمة في تركيا تمارس بين مختلف اللغات مع التركية ولكن الترجمة بين العربية والتركية تحتلّ مكاناً واسعاً في هذا المجال بسبب تاريخنا المشترك ومشاركتنا في نفس الحضارة والدين.

من الجدير بالذكر أن منتجات عالم الترجمة في عهد الدولة العثمانية أصبحت معطلة وغير متداولة، وصارت قاصرة وعاجزة للقارئ العادي بسبب التغيّر المفاجئ والأيديولوجي الذي حدث في اللغة التركية. وبدأت حركات الترجمة من جديد بعد الجمهورية، ولكن استمرت ببطء لظروف قاسية ثم تطورت خاصة بعد الستينيات، وتقدمت مع السبعينيات والثمانينيات وكثرت بعد التسعينيات، وبرغم ذلك لا يمكن القول إنها بلغت الآن درجة كافية. وتأثرت أفكار شعبنا بالكتب المترجمة من العربية واللغات الغربية.

وقد تحقّق تأثير بعض المفكرين مثل مالك بن نبي وحسن البنا وسيد قطب على الأجيال من خلال الترجمة، ويمكن القول إن بعض الأجيال نشأت وترعرعت على هذه الترجمات. وفي تلك الأيام، كان الناس يقرؤون مؤلفات فكرية أكثر من الكتب الفنية، وبمعنى آخر كانت المنتجات الفكرية المترجمة أكثر رواجاً من الأدبية والفنية. كانت العربية مهملة وممنوعة لأسباب عديدة، ولذلك كان بعض المفكرين يترجمون بعض الكتب التقليدية والشعر العربي والأدب العربي إلي التركية من لغة وسيطة غير العربية من اللغات الغربية المختلفة. ولكن تغيّر هذا الوضع في السنوات الأخيرة، وبدأت حركات الترجمة الأدبية تشمل العربية أيضاً، وبدأت ترجمة الكتب الأدبية العربية حالياً من لغتها الأصلية.

ربما ارتفاع مستوى التعليم وازدياد الاهتمام باللغة العربية من جديد، والتطور الحميد في العلاقات بين الوطن العربي وتركيا، وما إلى ذلك من العوامل، أصبحت سبباً في ازدياد هذا النشاط. وبفضل هذا الإقبال الذي يتجلّى في مجالات شتى مثل الفلسفة والأدب والعلوم الإسلامية نحو العربية والعرب، تُرجمت من هذه اللغة أسماء مهمة مثل المفكر محمد عابد الجابري والشاعريْن محمود درويش ونزار قباني. وفي السنوات الأخيرة، بدأ شعراء عرب معاصرون يأتون إلي تركيا للمهرجانات الشعرية، وهذا يدل على الاهتمام بهم في داخل بلادنا.

وشيء آخر كنا ننتظر وقوعه، ألا وهو معرض الكتب العربية في إسطنبول وقد حصل أخيراً بنجاح وشهد إقبالاً واسعاً، ثم افتتحت المكتبات العربية التي تُباع فيها الكتب الحديثة. الفكر العربي المعاصر كان يؤثر على شعبنا بسبب الكتب المترجمة، والآن يشاركه الفن العربي وأدبه أيضاً بسبب الترجمات الجديدة. أما إذا نظرنا إلي الكتب المترجمة من التركية إلي العربية، فنراها قليلة جداً وأغلبها هي كتبنا الأكثر شعبية والتي لا قيمة لها أدبيّاً وفكريّاً، خاصة هذه الكتب المترجمة من التركية إلى العربية ولا تعالج مسائلنا المشتركة ولا ترتبط بأدبنا المشترك، وربما بسبب الهموم التجارية يكون الوضع هكذا. لو أن أصحاب دور النشر شجّعوا المترجمين من التركية إلي العربية في ترجمة الكتب القيمة أدبيّاً وفكريّاً سيتم الأمر بنجاح، وستترجم الكتب الأدبية والعلمية أكثر من الكتب الشعبية التي لا قيمة لها أدبيّاً وعلمياً وفكرياً.

ومع تلك السلبيات، هناك شيء جديد يسعدنا أن نراه في ترجمة الأدب التركي، وهو ترجمة روائيين مثل صباح الدين علي، وأحمد حمدي تانبينار، ويشار كمال، ولعله يستمر في الأيام المقبلة. وبالمناسبة يجب أن نتذكر جهود عبد القادر عبد اللي ومحمد حقي سوتشين.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟

- أعمل مع دور النشر، وأول عمل كان لـ"دار المعنى"، ثم فزت بـ "جائزة الشيخ حمد للترجمة" بهذا العمل. وبعد الجائزة جاءتني كثير من المقترحات، ولكني بطيء جداً في الترجمة فلم أتمكن من قبولها. في هذه الفترة، قمنا بورشات للترجمة في "جامعة مرمرة" وترجمنا مع الطلاب بعض المقالات أو النصوص الأدبية. وهذا العام، طلبت مني وزارة الثقافة القطرية ترجمة الجزء الثالث من رواية "رحلة ابن خلدون" لعلي دب، وهذه رواية للشباب ترجمتها للوزارة وستنشر بعد أيام عن "دار لوسيل"، ونتواصل مع "منتدى العلاقات العربية والدولية" أحياناً.

وبالمناسبة؛ أريد أن أذكر أن اسم قطر كان معروفاً ومنتشرًا بين الناس في تركيا، وخاصة في السنوات الأخيرة، ولكن في قطاع العمل والمجالات الاقتصادية فقط. أما بعد "جائزة الشيخ حمد"، فالبيئات الثقافية بدأت تهتم بموقف قطر ودورها في الثقافة. فضلاً عن ذلك، فإن بعض الجامعات التركية تبعث طلابها إلي قطر في السنوات الأخيرة لتعلّم اللغة العربية، وأحياناً لتعلّم العلوم الإسلامية حسب الاتفاقيات بين الجامعات القطرية والتركية. وتم إدراك أهمية اللغة العربية والشعب العربي والدول العربية، وخاصة أهمية ظاهرة الترجمة بفضل هذه الجائزة، وبذلك تذكرنا عصر المأمون والحضارة الإسلامية المتطوّرة، وعلينا أن نجتهد أكثر من اجتهادنا الراهن في الترجمة كي ندرك عصرنا المشرق من جديد.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟

- سواء في الأدب أو في المجالات الأخرى، يجب أن نميّز بين العصرين الأخيرين وبين العصور القديمة، لأن العلاقات بين الشعبين في العصور الحديثة انتقائية، حيث يختار العلمانيون من يحبونه من المؤلفين ويطالبون بترجمتهم مثل: أدونيس ونزار قباني، ويختار الإسلاميون من يحبونه من المؤلفين ويترجمونهم. أما إذا أخذنا الإنسان بعين الاعتبار، وبغض النظر عن المعتقدات، ونظرنا إلى الأعمال الفنية حسب مستواها، فتختلف وتتعدد الطرق أمامنا وهذا ما نحتاج إليه بعد الآن.

رأيي؛ أن الترجمة جسر بين الثقافات، وبذلك أحترم كل اللغات ولا أفرق بين أحد منها، ولكن الإنتاج العلمي والثقافي والأدبي في العالم العربي هو امتداد حضارة تذكرنا بتراث معروف، ولو ألغيت عنصر الحضارة لا يبقى فرق بين الشعوب. وعلى كل حال، ترقية المستوى في الترجمة من الأدب العربي ستتم بعد ترقية انفتاح شعبنا على الشعوب الأخرى، لأننا كأتراك وأكراد وعرب دخلنا في عصر جديد ظروفه مختلفة عما قبلها، دخلنا فيه مع الحداثة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطاقة

حصل المترجم والباحث التركي محمد تشِليك (1983) على درجة الدكتوراه عن أطروحته "الأسس النظرية في حركات تجديد النحو العربية"، وعمل مدرساً للغة العربية في المدارس الثانوية، وفي "جامعة مرمرة" وهو اليوم عضو هيئة تدريس في "جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية". ترجم كتابي محمد عابد الجابري "العقل الأخلاقي العربي" (الصورة)، و"فكر ابن خلدون العصبية والدولة"، نال "جائزة حمد للترجمة والتفاهم الدولي" عام 2015.

 
 

المساهمون