البحث العلمي في المغرب: تحت أنياب البيروقراطية

البحث العلمي في المغرب: تحت أنياب البيروقراطية

09 ديسمبر 2018
تنصيب لـ محسن حراقي/ المغرب
+ الخط -

يأخذ البحث العلمي موقعاً متقدّماً، بين العناصر التي تؤثّر في تنمية وتطوّر المجتمعات. لا يبدو أن هذه الأهمية منعكسة بالشكل المطلوب في البلاد العربية حيث يظلّ البحث العلمي حلقة ضعيفة وإن كان الخطاب السياسي أو الثقافي المتداول لا يفتأ يشير إلى ضرورة الخروج من هذه الوضعية.

قد يكون المغرب البلد العربي الأعلى صوتاً في الحديث عن مسألة البحث العلمي، سواء على المستوى التنظيري أو على الصعيد العملي، فكثيراً ما نسمع عن مقترحات توظيف المعارف وتأهيل العنصر البشري في سبيل مواجهة تحديات العصر.

أما على المستوى المؤسساتي، فيمكن أن نذكر بعث "المعهد الجامعي للبحث العلمي"، و"المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني"، و"المركز الوطني للبحث العلمي والتقني" وغيرها. جميعها تتقاطع تقريباً في المهام نفسها لكن لا تجد استراتيجية توحّد عملها، ناهيك عن شح الميزانيات المرصودة لها، وللبحث العلمي بشكل عام في المغرب، والتي لا تمكّنها من تحويل البحث العلمي إلى طاقة تحرّك بقية القطاعات.

فكيف هو واقع البحث العلمي داخل المغرب؟ ووفق أي رؤية يمكن أن يتحوّل البحث العلمي إلى إسهام ملموس في تطوّر المجتمع؟ "العربي الجديد" وجّهت هذه الأسئلة لبعض المهتمين في محاولة لتشخيص الوضع وتجاوزه.

يقول الأكاديمي والناقد نجيب العوفي: "البحثُ عن البحث العلمي في العالم العربي بعامّة، وفي المغرب بخاصّة، يشبه البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، حسب عبارة وليم جيمس الشهيرة عن الميتافيزيقا. في حال المغرب، يبدو سؤال البحث العلمي غائباً كأولوية لدى المسؤولين والماسكين بدفّة التسيير والتدبير والراسمين لخرائط الطريق الآنية والمستقبلية". يعيد العوفي ذلك إلى أسباب كثيرة؛ "لعل أبسطها أن معظم المسؤولين ومن في أيديهم مقاليد الأمور والحلّ والعقد، لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة ولا ترتبط التنمية لديهم بالشرط العلمي والمعرفي والثقافي على الإطلاق".

يؤكّد العوفي في حديثه إلى "العربي الجديد" على أن "هذه النخبة المسيّرة والنافذة هي في الأغلب الأعمّ ذات منزع بيروقراطي وتكنوقراطي من جهة، ومسكونة بالهاجس السياسي والاجتماعي الظرفي وسدّ الذرائع من جهة ثانية. وهذا ما يجعل مشاريع التنمية دائماً، تُراوح مكانها وتدور في حلقة مفرغة. ذلك أن كل مشروع تنموي كيفما كان نوعه ومجاله، إذا لم يؤسّس على قاعدة علمية متينة، ودراسة دقيقة لمدخلاته ومخرجاته تذروه رياح الوقت هباء أو يبقى حبراً على ورق ومشروعاً ثاوياً في النوايا".

من جهتها، ترى أستاذة البيولوجيا، في "جامعة الحسن الثاني" (الدار البيضاء)، رشيدة رقي، أنه "عندما يتم التطرق إلى قضية البحث العلمي وعلاقته بالمجتمع فإن جل أفراد المجتمع يتفقون على أن للعلم دوراً كبيراً في حياة الفرد والجماعة، وبأن ضعف الوعي بأهمية التفكير العلمي يعيق التقدم في مجال البحث العلمي. لكن عندما نقترب أكثر من السؤال فإن العلاقة بين العلم والمجتمع تبدو أكثر غموضاً وتحتاج لمزيد من الدراسة والتأمل".

تتساءل رقي: "هل يمكن العيش سوياً بدون لغة مشتركة وبدون انتشار واسع للتفكير العلمي؟ كيف يمكننا أن نتطوّر معاً نحو مجتمع أكثر تحرّراً وأكثر عقلانية؟ هل نبذل الجهد اللازم في المدارس والجامعات لنشر الثقافة العلمية والقيم الأخلاقية المؤطرة لها؟". تشير هنا إلى أنه ينبغي أن نتوافق بأن دور العلم لم يعد كما كان قديماً حيث يقوم على الكشف عن القوانين الطبيعة الثابتة، فهو اليوم يواجه تحدياً أكبر وهو التفكير في واقع مركب ومعقد، بحسب عبارات المفكر الفرنسي إدغار موران.

تضيف رقي في حديثها إلى "العربي الجديد": "لقد أصبحت الحاجة ملحة إلى نبذ الحدود بين التخصّصات، والمصالحة بين العلوم التي يطلق عليها العلوم الصحيحة أو العلوم الصلبة وبين العلوم الإنسانية. أصبح دور العلم أساسياً لتوفير إطار يمكن للعقل أن يتطوّر فيه. ولا يحتاج العلم فقط إلى التفكير في مدى تعقيد الواقع الخارجي، ولكن أيضاً التفكير في تعقيده الخاص. فلقد أصبح الباحث مطالباً بالتفكير في التعقيد الحالي للقضايا العلمية وأيضاً في مسؤوليته الاجتماعية. كما أن دور العلم لم يعد يقتصر على إرضاء الفضول الفكري فحسب، بل أصبح مطالباً بأن يساهم أيضاً في تحسين حياة الإنسان وتفاعله مع الطبيعة".

على مستوى آخر، تتساءل رقي: "هل يكفي الاعتماد على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للعلوم مثل الإنفاق على الأبحاث العلمية، وعدد الباحثين أو عدد المنشورات وعدد براءات الاختراع لكي نقيس التقدّم في مجال البحث العلمي؟ أم هل ينبغي أن نتجاوز هذه المؤشرات من أجل فهم أفضل لتمثلات المواطنين وخاصة المشتغلين في العلم؟". بالعودة إلى الأرقام والإحصائيات، ترصد الباحثة المغربية مؤشرات صادمة، فالميزانية المرصودة للبحث العلمي لا تتجاوز 0.8٪ من الناتج الوطني الإجمالي، وهي أقل بكثير من معدل بلدان أوروبية، حيث يبلغ 2.06٪ في أدنى درجاته.

بحسب رقي، فإن صعوبات تطوير البحث العلمي يمكن رصدها أيضاً من خلال ما يعانيه الباحثون من الإجراءات الإدارية المعقدة والطويلة لصرف المبالغ المرصودة لأن الجامعات تعتمد الرقابة المالية القبلية كطريقة لإدارة الميزانيات المخصصة للبحث.

من جانبه، يرى الناقد صالح لبريني في حديث إلى "العربي الجديد" أنه ومن أجل الخروج من هكذا وضع "لا بدّ من وضع سياسات تعيد الاعتبار للبحث العلمي، وذلك لا يتمّ إلا بعد الرفع من الإنفاق والزيادة في الميزانية المرصودة في ميدان البحث العلمي، لكن الوقائع تدلّ على أنه يشهد تراجعاً ومزيداً من التهميش والإهمال".

قبل ذلك، يعتبر لبريني أنه ينبغي "العمل على تطوير التعليم بكل أسلاكه حتى يكون قادراً على مواكبة التحوّلات العميقة التي يشهدها العالم في الألفية الثالثة، وذلك بتغيير المناهج التعليمية التي غدت متآكلة وبعيدة كل البعد عن انتظارات المتعلم والمجتمع، وخلق مشاتل للبحث العلمي في المؤسسات التعليمية لتكون جسراً للبحث العلمي الجامعي". يشير لبريني كذلك إلى "غياب دور فاعل للقطاع الخاص، والذي لا يظهر أنه يمتلك حساً وطنياً بأهمية البحث العلمي، فللمؤسسات الخاصة دور إلى جانب الدولة في تمويل مشاريع البحث العلمي".

المساهمون