"وزن الريشة": المربّع الذي يحبّ غازي الزغباني العودة إليه

"وزن الريشة": المربّع الذي يحبّ غازي الزغباني العودة إليه

07 يناير 2020
(غازي الزغباني، من العرض)
+ الخط -

على مسافة أكثر من عشر سنوات من عرضها أوّل مرة (2009)، لا تزال مسرحية "وزن الريشة"، أداء وإخراج غازي الزغباني، محتفظة بطاقتها الرمزية والكوميدية، فهي من جهة تلتقي مع عدة قراءات اجتماعية وسياسية مع الواقع الذي تسارعت وتيرة تحوّلاته في السنوات الأخيرة، وعلى مستوى آخر لا تزال قادرة على استدراج الجمهور إلى ضحك هادف.

كثيرون لا يتردّدون في حضور عرض جديد للمسرحية، حتى ولو سبق لهم أن شاهدوها مرتين أو ثلاثا قبل سنوات، وهو ما يشهد عليه امتلاء قاعة العرض كلما قرّر الزغباني عرض المسرحية من جديد، كما هو الحال مع عرضها الأخير يوم السبت الماضي، الرابع من الشهر الجاري، في فضاء "لارتيستو" في تونس العاصمة.

بتفاصيل صغيرة من الحياة اليومية لجيل مواليد الستينيات والسبعينيات (نفس جيل المخرج)، يركّب الزغباني عناصر عمله جاعلاً منه سيرة فردية وجماعية في آن. لبناء هذه السيرة، اتخذ المسرحي التونسي من مسيرة ملاكم فاشل هيكلاً، حيث تحرّكه من جهة رغبات النصر والتحرّر والخروج من أقفاص الطاعة والبحث عن الاعتراف في محيطه، لتردّه من جهة أخرى قسوة الواقع وكأنها توجّه له لكمات جافة ملء وجهه.

ينقسم النص إلى عدة محطات، تتناول مستويات عدة من علاقة الفرد بالعالم، كالعلاقة مع الأب والأصدقاء والجنس الآخر، وفي كل محطة تفضي محاولة اكتشاف العالم أو تحقيق الذات إلى ضربة جديدة، تبدو للوهلة الأولى قاضية - بعبارات رياضة الملاكمة - لكن سرعان ما يتجدّد حماس البطل إلى تجربة جديدة، وبذلك تحديداً كان يخطّ مساره في العالم. تلك الخيبات والإعاقات، تبدو في النهاية مساراً لا يعرف أبناء الجيل كيف يغادرونه، ولكنه من زاوية أخرى يبدو مساراً ضرورياً فهو السبيل الوحيد للتعرّف على واقعهم وامتلاكه.

لعلّ السياق الذي تأتي فيه المسرحية اليوم في تونس يعيد الكثير من إشارات نص الزغباني إلى الواجهة، من ذلك تلك الفرحة الشعبية العارمة من نتائج الانتخابات، ثم برودها في كواليس السياسة بشكل تدريجي، وهي حالة يعيشها المواطن التونسي بشكل متواتر في السنوات الأخيرة، وقد كانت أبرز تجلّيات الأيام الأولى من الثورة في 2011، قبل أن تُفضي المسارات إلى خيبات متواترة.

يمكن اعتبار عودة الزغباني إلى "وزن الريشة" مفارقة بعض الشيء، فهي تأتي في وقت تتتالى فيه أعماله المسرحية، ففي النصف الثاني من 2019 كان قد قدّم ثلاثة أعمال جديدة، هي: "سيكاتريس" (إخراج ومشاركة في الأداء)، "ولد شكون" (إخراج)، و"طروف" (إخراج مشترك مع كريس وايت).

من هنا، يمكن القول إن المخرج التونسي يبدو وكأنه يعود إلى شخصيته الفنية الأولى حين يعيد عرض "وزن الريشة"، وقد يبدو ذلك جلياً لدى المتفرّج القريب من الممثل وقت تجسيد العمل، حيث لا يخفى استمتاع الزغباني وهو يؤدّي النص الذي كتبه بخفة ملاكم حقيقي.

المساهمون