ياسر المناوهلي: كاريكاتير بالأغاني

ياسر المناوهلي: كاريكاتير بالأغاني

30 مايو 2015
ياسر المناوهلي في إحدى حفلاته
+ الخط -

رغم أنه من مواليد 1966، إلا أن ياسر المناوهلي ظهر في 2011. لقد تأخر كثيراً ذلك "الحدث العظيم" كما يسميه، الثورة التي وضعته أمام الجمهور؛ "ميدان التحرير" في مرحلة أولى، وبشكل جماهيري موسّع حين التقط الإعلامي يسري فودة إحدى أغنياته وبثّها.

اندمج المناوهلي في الجو الجديد الذي أحدثه التغيّر العام، وهو يُصنّف اليوم ضمن جيل موسيقيّي الثورة المصرية، أولئك الذين تهافتت عليهم الأضواء ثم هجرتهم فجأة.

يتعرّض هذا الجيل لمعيقات جمّة، بداية من التهميش الإعلامي وصولاً إلى تعطيلات في تنظيم الحفلات العامة. من جهته، لم يُتداول للمناوهلي سوى أغنيتين منذ يوليو 2013 رغم أنه يؤكد بأن نسق إنتاجه لم يتأثر بهذا الجوّ الخانق. لعل أغنية "ريما" (كلمات محمد السيد) ترجمت، بأسلوب المناوهلي الساخر، حالة شعبية من عدم الرضا عن ممارسات السلطة في مصر.

وبعد أن ملأ الشاشات وحضر عشرات البرامج من 2011 إلى 2013، لم يظهر الفنان في القنوات المصرية بعد الانقلاب سوى مرتين، ليغيب تماماً وكأنما وُضع في قائمة سوداء. ما يهوّن عليه هذا التضييق هو أن الفن ظل بالنسبة له هواية، إذ يقول "صحيح أنه احتل موقعاً رئيساً في حياتي، لكنه لم يتحوّل إلى حرفة". من جهة أخرى، يشرح بأن "الظهور الإعلامي كان في صالحنا. أعترف أننا اكتشفنا متأخراً بأننا استُخدمنا، ولكنه ظهور مهم من منطلق أنه يلفت الانتباه لاختفائنا الآن".

لم يجلس المناوهلي على مقاعد الدراسة ليتعلم الموسيقى، يقول "أنا فقط نتاج سنين من سماع الموسيقى، وفي أي لحظة أحسست أن الفن يقودني لما لا أريده فسأضع الغيتار في البيت وأعزف لنفسي كما كنت أفعل دائماً".

بالرغم من نجاحه في اجتذاب الأضواء وتقبّل الناس لأسلوبه الفني، إلا أنه يرى بأن عليه الآن بالذات أن يطوّر قدراته الموسيقية، لهذا الغرض يراسل اليوم أكاديميات موسيقى عالمية. وعن السبب الذي دفعه لهذا القرار يقول "لاحظت أن ثمة سوء تفاهم بيني وبين الموزّعين ومهندسي الصوت في كل أغنية أتوجه لتسجيلها".

ورغم أنه يعتمد الغيتار إلا أن صاحب أغنية "قلة مندسة" يُزمع تعلم البيانو، يقول "باعتبار أن الغيتار قد تعلمته بطريقة عصامية، فإنني لا أتصوّر أنني أستطيع تبديل طريقتي التي تعوّدت عليها منذ 36 عاماً".

هذا ويرى المناوهلي أنه لا يحتاج فقط إلى تطوير أدواته الموسيقية، هنا يقول "أعتقد أنه علي أن أقرأ أكثر. أنا ممّن يؤمنون بأن الكلمة في الأغنية هي الأساس، وبعد ذلك يُبنى من حولها اللحن والتوزيع والأداء. الأغنية التي أحب إنتاجها تحتاج إلى قراءات في التاريخ والسياسة والشعر والاقتصاد".

للمناوهلي أسلوب يمكن التقاطه منذ مشاهدة أدائه في أغنيتين أو ثلاثة على الأكثر. أسلوب خاص في العزف وفي الغناء وفي حركات الوجه. لعلنا نجد صعوبة في إيجاد فوارق في أدائه لنفس الأغنية مرتين، رغم ذلك يقول "لم أتعمّد البحث عن أسلوب ولم أبرمج شخصية موسيقية لنفسي، ولكنني خرجت للجمهور بالطريقة التي كنت أعزف وأغني بها منفرداً".

تخدم طريقة أداء المناوهلي توجّهه الساخر. وهو في كل أغانيه يقرن بين نقيضين، فبالنسبة له "المحتوى قائم على الجدية، أما الشكل فهو السخرية". هنا، يفتخر بأن أحدهم قال له في الشارع "أنت ترسم كاريكاتير بالأغنية".

تدعو عناوين أغان مثل "صندوق النقد" أو "إخوانوفوبيا" للتساؤل عن تأثير تناول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على الجودة الفنية، يردّ قائلاً "هنا تكمن لعبة الفن وتميّز الفنان ولمسته. الفكرة هي تذويب المعقد في البسيط والجميل، وكذلك تمرير القضايا على طبق ساخر ورائق". ويضيف "السياسي متداخل بالاقتصادي وبالفني والإعلامي وبالتعليم والصحة، فلماذا نريد أن نقصي هذه الجوانب الحياتية من الأغنية؟".

انحسار موجة جيل "موسيقيّي الثورة"، نموذج مُصغّر لما يحصل في مصر من عودة الأسماء المكرّسة والقديمة على حساب "طرح الثورة" حسب عبارة المناوهلي في إحدى أغنياته. تسود اليوم قناعة بأن شيئاً لم يتغيّر. يشاطر الملحن هذا الرأي ويفنده في آن، "يمكن أن نقول بأن الثورة المضادة انتصرت على الأرض، وفرضت عدم التغيير في هذه الجولة، ولكنها طالما لم تنتصر داخل المواطن فهذا يعني أننا لا زلنا نتقدم في طريق الثورة".

لا يعتبر المناوهلي ما حدث سبباً للاستسلام، بل يرى أن "المؤشرات والمبشّرات كثيرة بأن الثورة مستمرة". يلاحظ: "شتان بين مستوى وعي مواطن الأمس واليوم" ويضيف "مصر بلد كبير، وعلى درجة ثقل البلد يكون ثقل الخطوة". ما يطمئنه هو أن "الناس لا زالت تتوسّم خيراً كثيراً وتتطلع إلى تبديل الأوضاع".

لمس ياسر مناوهلي وأبناء الثورة تلك اللحظة السحرية لاندماج الأغنية في سياق الفعل الشعبي. تأكدوا، مع متابعيهم، من دورها المساهم في صناعة التغيير، ولا يبدو بأنهم يفرّطون في هذا السلاح مجدداً.

المساهمون