​بعدما صار المنزلُ رماداً

​بعدما صار المنزلُ رماداً

13 يونيو 2020
ميخاليس أويكونومو / اليونان
+ الخط -

سرُّ الفداء

جُلَّ همّي في الثالثةِ والثلاثين
ألَّا أموتَ مصلوباً

لن أوزّع غفراناً
وﻻ خمراً
وﻻ ثلاثين من الفضّة

أبي مُثقَلُ بالهمّ على إخوتي
وﻻ وقتَ لديه لمسيحٍ جديد

وأنا؛
ﻻ مزاجَ لي للافتداء.


■ ■ ■


عصفورٌ أسرعُ من قصيدة

لا تستعجلْ رحلةَ الخَلْق
النهارُ لا يبدأُ كما رسمْتَ على الورق
ولا القصيدة

الحدُّ الأقصى لسرعةِ المجازِ
لا يتجاوزُ خمسَ عشرةَ زقزقة
في يومٍ صيفيٍّ

حسبما تزعم
أنتَ لستَ مستعجلاً

ارمِ سمّاعاتِ هاتفك
ولا تترك أذنيك فريسةً
تلوكُها دعواتٌ لفناجينَ ثرثرة

لا تفكّر بالأسبرين
ولا بالحلزونات
ولا بالدودة العزلاء وهي تلتهم الظّلام


أمامكَ عصفور كان بمقدورِك أنْ تمنحَه الحياة
لو كنتَ أقلّ استعجالاً
لاقتراف القصيدة.


■ ■ ■


نَخْبَ السّنونو

ﻻ قواعدَ في ساحةِ كرةِ السلة
ولا في ساحةِ المراجيحِ الرّملية

ترفعُ نخبَ السّنونو
وتداعبُ ابتسامتُها كلَّ العمّالِ العابرين

تجمعُ زهرَ الخريفِ في بلوزتها الجديدة
وتطحنُ أغنيةً لنملِ أصيصِ الورد

تفكُّ رباطَ حذائي
وتدهنُ بالرّمل ظلِّي

تدورُ وتدورُ
مردّدةً ابتهالاتٍ لإلهٍ ﻻ أراه
وتقتنصُ ابتسامةً من طائراتٍ عابرة

تلوّحُ للشمسٍ
وتفردُ جناحيها للريح.


■ ■ ■


مجرّد فضول

يسبقُني فضولي مقدارَ قبضة
لا أنا أمدُّها وألتقطه
ولا هو يبتعدُ أكثر

لا أُغالي إنْ قلتُ: لا يمكنني سوى اللّحاق به
ولا إنْ قلتُ: استمرأتُ الحال

كلّما ابتعدَ عن الطريق العام
أهرع إلى الجي بي إس
لكنْ كما في الطريقِ كذلك في السيارة
تبقى القبضةُ ممدودةً كمسافةِ أمان

أُصرُّ على اللّحاقِ به
وأتخاذلُ عن سباقِه

أتواطأُ مع خَطوهِ العابثِ
ويتآمر مع ظلِّه الأنا

أتنازلُ عن اللّجامِ لأجلِهِ
ويتركُ لي -سعيداً- المقعدَ خلف السائق

لا نلعبُ الغمّيضةَ
ولا نرقصُ إلا الدّبكة

أرميه في الصندوق،
فينهش ظهري بمخالبِه

يرمي رجلَه أمامي مثل «بابا أبو طويلة»،
ويصرُّ أن يسبقَني

أَدْهَسَه بعجلاتِ الحظّ،
فينجو بلا ذاكرة

أرميه كقطٍّ في كيس،
فلا ألتفتُ إلَّا وأراه أمامي

أُمَرْمِرُ عيشتَه بالنّكَد،
فيرسم في وجهي ابتسامةَ مُصابٍ بالأمل

أرمي في وجهِه دلوَ ماءٍ،
فيطفئ سجائرَه في وجهي

أتألّمُ،
فلا يردّ

يغادرُني، فأصطدم بكلِّ ما حولي.


■ ■ ■


ثلاثةَ عشرَ حفيداً لمرآةِ

لا تعرفُ جدّتي إيكيا
ولا خشبَ الأمازونِ المستورد
مرآتُها،
كانت من خشبِ زان

مُبتسماً ليومي الدرسيّ الأوّل
بالأفرول الأحمر والكنزة الكحلية
كانت صورةُ البداية

بفعلِ الغيرةِ
زاحمَني باقي الأحفاد
لكنّ مكانتي كانت الأرسخ
البِكرُ ابنُ البِكر
صاحبُ الاسمِ الحُظوة

مَنْ لم يحجزْ مكانَه صغيراً فيها
دخلَها مطبوعاً بالديجيتال في عرسِه

بعَرْضِ إصبعين
وطول نصفهما كان حجمُ صورتي

البحثُ عن مكانِ صورةِ ابنٍ أو ابنة
كان دائماً العَتَبَ الأوّل عقبَ طولِ سفرٍ
يقطعُه الأبناء والبنات كلٌّ من مدينته
ودائماً هنالك متّسعُ لوافدٍ جديد

سياسةُ تحديدِ النّسلِ الاختياري
تركت مساحة لشعيراتِ جدّتي الفضية
بعد حمّام البيلون
عندما تسرّح شعرها

حين نَسَفَتْ عشرةُ صناديق من الـ تي إن تي
جيرانَهم ذات صبيحةٍ شباطيّة
طارَتِ الأبوابُ
وتكدّسَ الزّجاجُ

لحسنِ الحظّ
لم نكن قد بدأنا سباقَ الصور
فحافظ ما تبقّى من أمانٍ هشٍّ على صورنا حتّى ذلك اليوم

الآن بعدما صار المنزلُ رماداً
-قيل إنّ شاحنةً كبيرةً خرجَتْ من البيت قبل أنْ يحترق-
لا أبكي زخارفَ العُمر
ولا بقايا وطنٍ نوستالجيّ
فقط
أتذكّرُ صورةً سينمائية لخرستان جدّتي
وناموسيةَ أرضِ الديار
ومرآةً كانت يوماً ألبوماً.


* شاعر وصحافي سوري مقيم في مدينة مونتريال الكندية، والقصائد من مجموعته "ثلاثةَ عشرَ حفيداً لمرآة" الصادرة هذه الأيام عبر موقع أمازون كيندل للنشر الذاتي، وهي متاحة للقراءة عبر تطبيق كيندل Kindle.

المساهمون