كتابان من "طيّ الذاكرة": الفلسفة بحروف عربية

كتابان من "طيّ الذاكرة": الفلسفة بحروف عربية

10 يونيو 2015
مقطع من مخطوط عربي (القرن الثالث عشر الميلادي)
+ الخط -

ضمن سلسلة "طيّ الذاكرة"، أعاد "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إصدار كتابين عن تأريخ العرب للفلسفة؛ الأول: كتاب "تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب" (2014) لمحمد لطفي جمعة، الصادر لأول مرّة عام 1927، والثاني كتاب لعمر فروخ بعنوان "العرب واليونان وأوروبا - قراءة في الفلسفة" (2015).

يمكننا القول مع هذه المؤلفات إنّ التأريخ للفلسفة عربياً، أخذ طريقين؛ أوّلها: نزعة نحو تبنّي رواية "المعجزة اليونانية" التي رسّخها المستشرقون، وهي تقول إن التفلسف يوناني المنشأ والمنهج وليس للعرب منه نصيب غير الترجمة أو الشرح، أو على حد تعبير الفرنسي رينان: "الفلسفة الإسلامية مجرّد فلسفة يونانية، مكتوبة بحروف عربية".

غلب على هذا التيار تجاهل ما سبق اللحظة اليونانية من فلسفات الشرق القديم، كما أن أنصاره اعتمدوا فقط على الفلاسفة المشّائيين (أتباع أرسطو) مثل الكندي وابن رشد، كممثلين حصريّين للفلسفة العربية الإسلامية.

أما الطريق الثاني، فكان ذا مقاربة إصلاحيّة في تناول الموروث القديم، ودشّنه الشيخ مصطفى عبد الرازق وتبناه أيضاً حسن حنفي في دراسته "الفلسفة في الوطن العربي في مئة عام"، ضمن مقاربات تنزع نحو إثبات أصالة الذات والرد على المستشرقين.

في كتابه، يبدأ جمعة في تأريخه لفلاسفة الإسلام من الكندي، وهو هنا يخالف عبد الرازق الذي اعتبر أن ثمّة تراثاً فقهياً وكلامياً مهّد للفلسفة، أي أنه يضع أبو حامد الغزّالي وابن عربي ضمن الفلاسفة.

اعتمد جمعة في عملية تأريخ الفلسفة الإسلامية على ربط الحياة الفكرية بسياق التحوّلات السياسية. يمسك هنا بتفاعلات المُنجزات الحضارية العربية الإسلامية مع النقاشات الفكرية التي رافقتها، إذ يقول "شهد التاريخ (العربي-الإسلامي) حواراتٍ ونقاشاتٍ وسجالاتٍ أغنت الإنسانية باكتشافات واختراعات وعلوم كان لها موضعها الخاص في توريد المعرفة قبل إعادة تصديرها إلى المشرق والمغرب".

ينتمي صاحب الكتاب الثاني، عمر فروخ، للمدرسة القائلة بالإبداع العربي، ويمكن ملاحظة ذلك من اللغة وكذلك من المنهج. فلغته تجمع بين الدقة في النقل واقتباسات من القرآن والشعر كما لاحظ ذلك مقدّم الكتاب، رضوان السيّد. أما على مستوى المنهج التأريخي، فإن فروخ يردّ "عبقرية اليونان لعوامل داخلية، وأخرى خارجية جرى تجاهلها".

يشرح ذلك قائلاً: "أما العامل الخارجي فهو احتكاك اليونان بالمدنيات الشرقية، فقد كان الطب والهندسة والري مزدهرة في مصر، وكان الفلك خاصة مزدهراً في العراق. وكذلك حمل الفينيقيون الأحرف الهجائية من الشرق إلى اليونان، وحملوا معها ورق البَرْدي، فساعدت الكتابةُ على نضج التفكير وعلى انتشار نتائجه. ولقد تم احتكاك اليونان بالشرق من طريق التجارة ومن طريق الرِحلات العلمية خاصة، فإن طاليس - أول فلاسفة اليونان - قد زار مصر، وزار العراق في الأغلب. وكذلك تعلّم فيثاغوراس في مصر من الكهّان".

وبخصوص العامل الداخلي: كتب بأنه "راجع إلى البيئة اليونانية في ذلك العهد. فلمّا أطل القرن السادس قبل الميلاد، كانت اليونان قد ازدهرت سياسياً واقتصادياً وأصبح لها مستعمرات منثورة في حوض البحر المتوسّط. على أنّ المهم في الموضوع هو أنّ الفلسفة اليونانية لم تنشأ في شبه جزيرة اليونان نفسها؛ بل في المستعمرات اليونانية على السواحل الغربية من آسية الصغرى، حيث كان السكان قليلي الاحتفال بالآلهة المتعدّدة. فلم تكن تلك الآلهة تملك عليهم عواطفهم أو تصرِفُهم عن التفكير. وما إن خطر لهؤلاء أن يضربوا بالخرافات عرض الحائط، حتى نشأت بينهم حركة فكرية فتحت أمامهم مجال التفلسف".

قسّم فروخ عمله إلى ثلاثة أبواب: الأول يتناول "أحوال الفلسفة والفكر بعامة في أوروبا في العصور الوسطى". والقسم الثاني يعنونه بـ "الفلسفة والمفكرون المسلمون الذين أثروا في أفكار الأوروبيين". أما القسم الأخير فهو "الأفكار الأوروبية في الأزمنة الوسيطة".

في القسم الأول، تتبع فروخ معارف الأوروبيين بين القرنين الخامس والحادي عشر للميلاد، أي حتى وقوع الحروب الصليبية والتي يظهر معها التأثير العربي الإسلامي في المرحلة الثانية، كما يشير إلى أن هذا التأثير أخذ طرقاً أخرى عبر مواقع وصلها العرب في أوروبا مثل صقلية والأندلس وعبر الرحلات والتبادل التجاري.

تناول فروخ جوانب التأثير بشكل محدد. لقد أُعجب الفكر الغربي بأفكار المعتزلة، وإخوان الصفا والكندي والرازي والفارابي والمعري في رسالة الغفران، بل إن الغزالي أدهشهم حين تجرّأ على القول بنفي السببية، والأمر نفسه مع ابن باجه وابن طفيل. كما يشرح التأثير الكبير لابن رشد من خلال شروحه لأرسطو وهو ما برز في الجامعات الأوروبية حيث نشأت مدارس تؤيده وأخرى تعارضه. بعد ذلك، يدرس ثلاثة شخصيات من خلال التأثير العربي الإسلامي فيهم، وهم موسى بن ميمون وألبرت الكبير وتوما الإكويني.

المساهمون