وقفة مع عبد الصمد الديالمي

وقفة مع عبد الصمد الديالمي

12 يناير 2020
عبد الصمد الديالمي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "انطلقتُ من الفلسفة لأمُرَّ من التحليل النفسي قبل أن أحقّق ذاتي في علم الاجتماع" يقول الباحث المغربي في حديثه لـ"العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
أشتغل الآن على موضوع "البؤس الجنسي العربي" وعلى إشكال الإصلاح الجنسي في العالم العربي. أعتقد أن الحديث عن إصلاح جنسي أصبح ضرورياً في منطقتنا لأن الحرمان الجنسي يتفاقم في كل الأوساط، في كل الطبقات الاجتماعية وفي كل الفئات العمرية مع تفاوتات حسب الطبقات الاجتماعية وحسب البلدان العربية. المشكل الرئيسي، في اعتقادي، يكمن في التناقض بين المعايير الجنسية السائدة، وبين السلوكات الجنسية المُعَلْمَنَة، أي تلك التي تخرق التحريم الديني والتجريم القانوني للجنسانية قبل الزوجية وخارجها. ما يحدث اليوم هو أن الخرق لم يبق استثنائياً، بل أصبح متكررّاً بشكل لافت كما أنه أصبح هيكلياً. ويشكّل ذلك الخرق سرقة جنسية بنيوية لا تُرضي الفرد لأنها مجرّد ترميق جنسي مجالي، بمعنى أن الممارسة الجنسية تتم في ظروف غير مناسبة وفي صيغ غير كاملة.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
كتابي الأخير كان باللغة الفرنسية وحمل عنوان: "الانتقال الجنساني: بين الجندر والإسلاموية" (Transition sexuelle: entre genre et islamisme) وقد نُشر سنة 2017 في باريس. وأنا الآن بصدد الاشتغال على كتاب جديد حول مساهماتي الأكاديمية في النَّسوية الإسلامية. هنا أود إثارة الانتباه إلى أن النسوية الإسلامية المدافعة عن حقوق النساء باسم الإسلام ليست مبحثاً خاصاً بالنساء أو قضية تحتكرها النساء فقط. لهذا مثلاً عنونت مداخلتي في مؤتمر بمدريد سنة 2010 "ليس للنسوية الإسلامية جنس"، فهي ملك للرجال والنساء معاً، فليس من الضروري أن تكون امرأة لكي تدافع عن حقوق النساء باسم الإسلام. أكثر من ذلك، ليس من الضروري أن تكون مسلماً لكي تدافع عن المساواة الجندرية باسم الإسلام. المطلوب هو الاقتناع بمبدأ المساواة والتوفر على الكفاءة العلمية للبرهنة على ذلك المبدأ.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
أنا راض ولكن ليس بشكل كامل. لقد قطعت أكثر من أربعين سنة في تحليل المواضيع المذكورة أعلاه، فجمَّعت معطيات ميدانية وبنيت نظريات وصُغت توصيات عديدة في هذا المجال وتقاربت مع صنّاع القرار في مناسبات عديدة بحيث حاولت ترجمة نتائج أبحاثي في قوانين وبرامج ضمن سياسيات عمومية ناجعة. لكن يبقى هناك شيء واحد أتمنى تحقيقه وهو قياس ميداني دقيق للبؤس الجنسي العربي في كل البلدان العربية. وهو مشروع طوباوي، شبه مستحيل، ليس فقط لاعتبارات مادية ولوجستيكية، بل لأن الفكرة في ذاتها مرفوضة باعتبار أن تعرية الواقع الجنسي العربي عمل مزعج، اجتماعياً وسياسياً.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
كنت سأختار نفس المسار. منذ البداية وأثناء سنوات تحصيلي الدراسي اخترتُ دراسة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع عن قناعة. انطلقتُ من الفلسفة لأمُرَّ من التحليل النفسي قبل أن أحقّق ذاتي في علم الاجتماع. ولو أعدت الكرّة سأنتهي الى نفس المسار وبنفس الخيارات. ثم إن تلك الخيارات لصيقة بشخصيّتي، فهي التي مكّنتني من اكتشاف هويتي ومن إنضاجها عبر مسار حياتيٍّ وعلميٍّ متناسق ومندمج.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أحلم بالسلم، بالسلم في العالم، وهذا ليس بحلم أصيل أو فريد. أعتقد أنه حلم كل إنسان سوي وعاقل... في الماضي، كانت تُصنع الاسلحة من أجل الانتصار في الحروب، أما اليوم فإن الحروب تصنع من أجل صنع الأسلحة وبيعها. أتمنى كذلك نهاية استغلال الإنسان للإنسان. كما أنني أتمنى أن يسود العدل في اقتسام الثروات. أحلم بنهاية سيادة إرادتَيْ السلطة والثراء الفاحش. وأحلم بعالم موحد لا حدود فيه، عالم يسكنه إنسان لا نعير أهمية لجندره وللونه ولدينه ولعرقه...


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أودّ لقاء العالم النمساوي فيلهلم رايش، وهو محلل نفسي ومناضل ماركسي سعى إلى إحداث ثورة جنسية في النصف الأول من القرن الماضي. فقد انتفض ضدّ القمع الجنسي الذى تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، ضد الفرد قصد تحويله إلى كبش سياسي طيّع. كما ندّد بتحويل الطاقة الجنسية إلى طاقة عمل من طرف البورجوازية الرأسمالية من أجل الرفع من الإنتاجية ومن الربح. في هذا الإطار، انتقد بشدة الزواج والأسرة باعتبارهما كابحين للجنسانية المُتعوية. وقد تأثرث كثيراً بأعمال رايش، ليس فقط في مسيرتي العلمية، بل أيضاً في حياتي الشخصية طيلة شبابي.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
بالنسبة للكتاب فهو أيضاً لرايش، وهو عمله "الثورة الجنسية"، إنه الكتاب الذي قادني في البداية إلى الثورة على الزواج وعلى الأسرة في حياتي الشخصية، والذي ألهمني في مسيرتي العلمية والأكاديمية.


■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ رواية "الزوج الأبدي" للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. وبالصدفة، أكتشف بعد أكثر من أربعين سنة على قراءة رايش، أن الصورة التي يقدّمها دوستويفسكي عن الزوج صورة سيئة حيث يقرّ أن هناك رجالاً خلقوا فقط ليكونوا أزواجاً، أي رجالاً غير مبدعين، ليس لديهم لا خيال ولا شاعرية في الحياة... ذكرتني هذه الرواية برايش في نقده للزواج كعقد يستهدف بالأساس جنسانية إنجابية محافظة تمرّر للطفل أيديولوجيات محافظة تنزع نحو الاستقرار والتكرار.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
من الأغاني التي أحبها أغنية "لست أدري" لمحمد عبد الوهاب وهي من لحنه ومن شعر إيليا أبو ماضي. ومن الغرب أحب سماع الموسيقار الألماني لودفيغ فون بيتهوفن وكذلك مجموعة بينك فلويد (Pink Floyd) في الفترة الحديثة.


بطاقة
باحث مغربي في علم الاجتماع، من مواليد الدار البيضاء عام 1948. أصدر أكثر من عشرين كتاباً، بالعربية والفرنسية، منها: "المرأة والجنس في المغرب" (1985)، و"نسائية، أصولية، صوفية" (1997)، و"سوسيولوجيا الجنسانية العربية" (2008)، و"الانتقال الجنسي في المغرب" (2015). وهو خبير لدى منظمات دولية ومؤسسات وجمعيات وطنية في المغرب في مجالات الصحة الجنسية والإنجابية ومقاربة الجندر.

المساهمون