أوغوستو ماغانيا: سؤال العدالة حدوده العالم

أوغوستو ماغانيا: سؤال العدالة حدوده العالم

09 يناير 2016
(أوغوستو ماغانيا)
+ الخط -

يفتتح الشاعر السلفادوري أوغوستو ماغانيا (1995) حديثه إلى "العربي الجديد" بتنبيه لطيف يتعلّق بعمره: "إذا أخطأت، فليُقَل شاعر في البدايات ومن حقه أن يخطئ، ثم يصحّح أو لا يصحح خطأه في ما بعد".

يولد الشاعر من داخل جلده، لكنّه بحاجة إلى حاضنة ثقافية، لذا كان لا بد من السؤال عن الوسط الثقافي في السلفادور. يحدثنا ماغانيا هنا عن الحياة في بلاده: "أنا من سكان أطراف العاصمة. كلّما كبرت كنت أفهم جريمة التفاوت الطبقي، وهذا لم يغيّر جذرياً من نظرتي للآخرين فحسب، وإنما غيّر نظرتي للعالم، وكذا للشعر والشاعر. تساءلت: كيف لمن هو برجوازي أن يحيا وسط فقر مدقع، ويظل مطمئناً؟".

يفتح الشاعر السلفادوري قوساً على طفولته "كنت صغيراً وملتزماً: ناشطاً في جمعيات دينية، وفي إطارها، كنت أخرج وأزور الأرياف، فرأيت مدى سوء الحال. هذا أفهمني، ولو تدريجياً، أنني أعيش في محيط برجوازي، وأنّ ما أملكه أنا، ليس عادياً بالنسبة للآخرين. ومن ثم انبثق الصراعُ داخلي، فعبرَ الالتزام الديني اكتشفت هذا البؤس. بمعنى: الأشياء التي حاولوا زرعها فيّ، هي خصوصاً التي أبعدتني عنهم. ولعلّ هذا الصراع هو ما دفعني للكتابة".

يسمّى ماغانيا هذا الوضع بـ "سؤال العدالة"، ويقول "التساؤل الداخلي كان نقطة البدء، كأن تسأل نفسك عن بيتك، عائلتك، موقعك الاجتماعي. وتالياً توسّع سؤالُ العدالة ليشمل العالم". سألناه هنا "ألم يكن هناك احتمال أن يوصلك السؤال إلى الأيديولوجيا؟" فيجيب "هذه التساؤلات لها طابع أيديولوجي. وثمة علاقة واضحة بين الشعر والأيديولوجيا، مهما راوغنا. وفي الأخير انصبّ تساؤلي على الدين، فشعرت بفراغ بعد مغادرة الحظيرة. ومن يعرف؟ قد يكون هذا الفراغ دافعي إلى الشعر".

يستدرك قائلاً "أعتبر نفسي في طريق البحث عن أيديولوجيا، بل أحتاج العثور عليها، كي أبتعد عن تناقضاتي، لكنني عاجز حالياً. وأعتقد أن هذا له علاقة بجيلي المولود بعد الحرب الأهلية (1979 ـ 1992). لطالما سمعنا عن تلك الحرب، دون أن نعيشها. ومن سوء الطالع، أنها حين توقّفت، لم يحدث انتقال ديمقراطي، كما حصل بعد فرانكو في إسبانيا. اكتفينا بالقول الشائع حينذاك: لننسَ الماضي، ولنبنِ المستقبل من الدرجة صفر".

بأي معنى؟ "لم تجر محاكمات لمجرمي الحرب، ودخل هؤلاء مباشرة إلى الانتخابات. وهذا كان له تأثير كبير على جيلي، فهو جيل بعيد عن السياسة، وهذا خطِر جداً، لأنّ جيلاً غير مُسيّس، من السهل اقتياده إلى الجهة التي تريد".

يعيش ماغانيا في برشلونة الإسبانية منذ عامين ونصف. يقول عن هذا الانتقال: "فروق هائلة بين المدينتين. ليس هناك عمارات ولا أبراج في السلفادور. منازل منفردة وعلاقات حميمة بين الجيران. بينما هنا اختلاط ثقافات وشعوب وأنماط عمران إلخ".

يضيف: "برشلونة مدينة كوزموبيلتانية يفد العالم إليها، عكس بلدي، وهذا الفارق مهمّ عندي. أما الثقافة هنا، فتعرِف، يمتلكون الكثير والعريق. وزملائي هناك دوماً يطلبون مني أشياء تُنتج هنا". ثم يُنبّه: "ثم لا تنس أمان برشلونة، ليلاً ونهاراً، مقابل انفلات أمنيّ لدينا. ولطالما شعرت أنني حرّ تماماً فيها وأمتلك خيارات مفتوحة. إن مجرد المشي في السلفادور غدا مغامرة. أنت لا تستطيع الذهاب إلى حديقة عامة، وعدم الأمان هذا هو الذي أجبرني على الهجرة".

من السلفادور، حمل ماغانيا تأثره العميق بعوالمها حتى أنه إلى اليوم حين يسأل من أكثر الشعراء الذين أثّروا فيه، يقول بلا تفكير: "مواطني روكيه دالتون". كان دالتون من أبرز الشعراء اليساريين الذين كتبوا أثناء الحرب الأهلية، يقول عنه ماغانيا "قرأته أثناء دراستي في معهد "إكسترنادو سان خوسيه"، وبالمناسبة، روكيه خرّيج المعهد ذاته. ولقد قُتل على يد رفاقه في مليشيا "إِلغيرّيّا"، إذ كان فيها نوعان من الناشطين: الجنود والمثقفون. وطبعاً بينهما صراعات. واعتقادي الشخصي أن أحد الجنود اغتاله، ولكننا إلى اللحظة لا نعرف، وما زالت عائلته تبحث عن القاتل. ولهذه الأسباب أصبح روكيه نموذجاً للوضع السياسي في السلفادور: اللامحاسبة!".

تمتد شبكة تأثرات ماغانيا المعلنة إلى شعراء آخرين جايلوه أو سبقوه، يذكر منهم فلاديمير أَمَايَا، الذي يقول عنه "يعجبني أكثر من سواه. ومن الأكبر عمراً ليليان بَارَادا، وأنا مدين لرعايتها على نحو خاص، فلولاها لما استمررت. وكذلك سيلفيا إِلينا ديغالادو، أول من أصلحت شِعري في جلساتي الأسبوعية معها كل سبت".

أما خارج حدود بلاده، فهو مدين إلى قراءاته لـ بيثنتي إلكسندري وليوبولد ماريا بايزوا وروبيرتو بولاينو كروائي أكثر منه شاعراً، لكنه ينبّه "قبل الجميع يوجد لوركا وويتمان وإليوت".

أما علاقته الشخصية مع الشعر، فيلخصها بـ "حبّ / كُره". يوضّح قائلاً: "تارةً أحسّ أنني محتاج بشدّة للكتابة، نتيجة اختناق داخلي، فأكتب. وطوراً أحسّ أنني مريضٌ من الشعر، فأتوقّف شهوراً، على أمل التّعافي. فالشعر، في الأصل، مرض". يضيف: "عادة ما تقع روحي فريسة لخواء ما بعد الكتابة، وأظنّ ثمة مشكلة مع الشعر، أكثر من بقية الأجناس: بعد القصيدة أنت قتيلُ الخواء".

حول علاقته بالثقافة العربية يقول ماغانيا: "أول اتصال مع ثقافتكم كان هنا في برشلونة. فلأول مرة ألتقي أشخاصاً من العالم العربي. لم أر عربياً في بلدي، فقط قرأت كتاب الليالي، وكانت تلك التحفة هدية من جدّي. هذا طبعاً كليشيه مبتذل، ولكنه حقيقة أيضاً. كتاب ضخم ملوّن سيوقعني تحت سحره، كونه أول كتاب أطالعه خارج ثقافتي. وهنا أعترف بخطئي، لأنّ ما عرفته عنكم لاحقاً، جاءني عن طريق الغرب ومركزيته واستشراقه".

حول علاقته بالثقافة العربية يقول ماغانيا: "أول اتصال مع ثقافتكم كان هنا في برشلونة. فلأول مرة ألتقي أشخاصاً من العالم العربي. لم أر عربياً في بلدي، فقط قرأت كتاب الليالي، وكانت تلك التحفة هدية من جدّي. هذا طبعاً كليشيه مبتذل، ولكنه حقيقة أيضاً. كتاب ضخم ملوّن سيوقعني تحت سحره، كونه أول كتاب أطالعه خارج ثقافتي. وهنا أعترف بخطئي، لأنّ ما عرفته عنكم لاحقاً، جاءني عن طريق الغرب ومركزيته واستشراقه".



اقرأ أيضاً: باو باديل: ثم إنني الهامشي

المساهمون