اختزالات على شاشة الفلسفة

اختزالات على شاشة الفلسفة

06 مارس 2017
(من مجموعة "دفاتر" لـ نجاح زربوط، تونس)
+ الخط -

"الأنوار في مواجهة الظلامية" مع صورة يغلب عليها السواد لديدرو يظهر في خلفيتها مصباح كهربائي؛ هذا ما يطالعنا به غلاف مجلة "فلسفة" الفرنسية في عدد خاص (شباط – آذار 2017). لن نحتاج أن نكون سيميولوجيين كي نلتقط العلاقات التي تربط عناصر هذه الصفحة الأولى وما رُصّ فيها من متناقضات لفظية ومعنوية، لتبدو أقرب إلى عملية مونتاج فكري/ بصري دقيقة، وهو ما يظهر أيضاً في محتويات المجلة.

لا يغيب عن الناظر سياقات هذه "المبادرة" من المجلة الفرنسية، فيكفي قول كلمة "الظلامية" حتى نفهم أن المعنى هو التطرّف الإسلامي. لكن، وبحرص وذكاء، لن نجد أثراً لتوضيح صريح لمعنى الظلامية ومَنْ المعنيّ أو المعنيون بها.

لعبة الأزمان التي لمّحت إليها صورة الغلاف يصعب ألا ترسم في أذهاننا مقارنة بين أنوار الثامن عشر وظلامية تحيط وتهدّد أوروبا في القرن الحادي العشرين. هل إن الأنوار لا تأتي إلا من القرن الثامن عشر؟ أليس هذا التصوّر في حدّ ذاته مناهضاً للأنوار وخانقاً لها؟ أم إنها منهجية لحصرها في ذلك العصر، فتظل بالتالي مرتبطة مكانياً بفرنسا "أم الأنوار" ويعاد إنتاج المركزية في كل مرة؟

هذا الحصر التاريخي والمكاني سنعثر على آثاره أيضاً في محاورات تضمّنها العدد، إذ لم تتِح للمستجوبين بأسئلتها (وربما بتحريرها لاحقاً) سوى الحديث عن هذه "الأنوار" بالذات، كما هو الحال مع لقاء إيزابيل دو فونتانيه أو ميشال أونفري، وإن مرّر الأخير بمشاكساته مقترحاً يطالب فيه بتربية قومية مضادة للشفهية الإيديولوجية باعتبارها من أخطر ما يهدّد التنوير.

قبل ذلك، طرحت الافتتاحية سؤال الحداثة الأول "ما التنوير؟". هنا لن يكتب كانط أو ماندلسون رداً، كما فعلا في ألمانيا القرن الثامن عشر، بل رئيس تحرير المجلة سْفِن أورتولي الذي يقدّم فكرة العدد الخاص: "نساء ورجال لهم نوع من الرصانة في استخدام العقل".

لن نعرف شروط هذه الرصانة، ومن بين جميع المفكرين أو الباحثين المستكتبين أو من جرت محاورتهم لن نجد اسماً عربياً رغم الحضور العربي الكبير في الكتابات الفكرية الفرنسية اليوم، فيما عدا الباحثة كاملة مسعود جبارة التي كُلفت بإجراء لقاء مع فيليب رينو.

مقابل هذا الاختزال، سنجد ما يمتعنا في المجلة من خلال توزيع مقالات وحوارات ونصوص كلاسيكية (وإخراج) جميعها جرى ترتيبها بعناية. بعض هذه النصوص الكلاسيكية تظل محتفظة بنكهاتها، هي التي تظل مشاعاً إنسانياً، قابلة للتحويل عن سياقاتها وتوظيفاتها الغربية، فمقولة كانط "تجرّأ على التفكير" لا شيء يمنع من استعارتها، وربما تطبيقها على المجلة التي نطالعها فيها.

ما تصرّح به المجلة هو أنه ينبغي أن نحجّ دائماً إلى عصر الأنوار، وما نفهمه هو أن لعصر الأنوار استخدامات كثيرة، ليس أقلها "مواجهة الظلامية". تلك عيّنة مما تعكسه شاشة الفلسفة اليوم في فرنسا، حيث أن التوغل في الحداثة وما بعدها لا يمنع من النظر إلى العالم بكثير من المانوية (تقسيم العالم بين خير وشر)، ربما نفسها تلك التي تظهر بكثرة في أفلام الأكشن الهوليوودية.

المساهمون