بشير مفتي: مقتل السعادة بيد الدكتاتورية

بشير مفتي: مقتل السعادة بيد الدكتاتورية

11 ديسمبر 2016
كيري جيمس مرشال/ الولايات المتحدة
+ الخط -

من خلال تجربة يتجاوز عمرها العقدين يخوض الكاتب الجزائري بشير مفتي (الجزائر العاصمة، 1969) في عالم روائي ترسّخت فيه آثار مرحلة كاملة مرّت بها الجزائر تمثّلت في العشرية السوداء (1990-2000) بما تركته من ندوب على الصعيد الإنساني والاجتماعي للجزائريين عموماً وللمثقفين خاصة. ثم ما جاء بعدها حيث تصالحت الجزائر مع خراب مفتوح وإنسان لم يتعاف بعد من ويلات حرب لم تُعرف بعد أسبابها الحقيقية.

يعُود بشير مفتي من خلال روايته "لعبة السعادة - أو الحياة القصيرة لمراد زاهر" ("الاختلاف" و"ضفاف"، 2016) إلى فترات سابقة من تاريخ الجزائر وبالتحديد فترة الرئيس الراحل هواري بومدين ليطرح العديد من الأسئلة والهواجس التي شغلته كمبدع، وما يحمل نقداً للسياسات والبرامج في الجزائر المستقلة، راصداً من خلال شخصية مراد زاهر، الأوضاع السائدة في تلك الفترة ونوعية العنصر البشري الذي كان يتحكّم في مركز صناعة القرار.

إذ نجد شخصية مراد المحكومة بأبوة مريضة وسلطة لا حدود لها من طرف الخال بن يونس، لا تجسّد وضعاً عائلياً محدداً جاء على إثر تنقله للعيش مع عائلة صغيرة لظروف ترتبط بالحرمان؛ بل تجسد وضع شعب واجه شكلاً من الدكتاتورية التي لا تعترف بالآخر، وتمتد من السياسة إلى المجتمع. ومن خلال هذا النص يحاكم الكاتب تلك الفترة من تاريخ الشعوب العربية بقوله على لسان ناصر الدمشقي: "إنّ الجزائريين يعانون شأنهم شأن كل سكّان الدول العربية من مسألة الحكم لأن الحكم الذي يقوم على شرعيات الماضي؛ ثورية أو دينية أو عسكرية سيحكم لا محالة على أحلامِ تقدُّمنا بالفشل".

لقد ظهرت المحسوبية بأبشع أشكالها في العالم العربي بسبب فكرة الولاء ومشتقّاتها فتسهيل مهام الأشخاص الذين لا "يتورطون" في كلمة "لا" (والتي تعني المعارضة) تدرَّج من أعلى المستويات ليصل إلى أبسط الأشياء والتفاصيل في الحياة العامة، بحيث تتعطل مشاريع وأحلام المواطن العربي الذي لا وساطة له.

في "لعبة السعادة" تبتلع الشمولية كل صوت مختلف وقد تقتل صاحب الفكرة قبل أن تتجسد بتهمة المحاولة، وهذا ما تطرحه الرواية من خلال اغتيال ناصر الدمشقي واعتقال نصيرة حداد وفطيمة مناصر ضمن تاريخ طويل للدكتاتوريات العربية. يتطرّق بشير مفتي إلى إخفاقات كان من الممكن التنبّه إليها قبل حدوثها في جزائر ما بعد الاستقلال، مقترحاً اعتبار أنّ فرنسا ليست عدواً ثقافياً بل عدواً عسكرياً وسياسياً.

يُشار الى أنّ "لعبة السعادة" هي الرواية التاسعة لـ بشير مفتي، بعد مسيرة كتابية بدأها بمجموعتين قصصيتين "أمطار الليل" (1992) و"الظل والغياب" (1995)، ليرصد بعدها من خلال عالم الرواية وصولاً إلى عمله الأخير جانباً من التغيرات في التاريخ الجزائري المعاصر.

فمن خلال رواياته، التي بدأها بـ"المراسيم والجنائز" (1998) نجد سبراً للمواجع العميقة للإنسان الجزائري، حيث أصوات الاحتضار والخوف ولغة "الأمن" كما في روايته "خرائط لشهوة الليل" (2008) التي تسللت إلى عالم مظلم وخفيّ وفضحت أسراره خلال سنوات عجاف كان فيها الصوت واحداً والموت يبتلع كل فرح ممكن. ثم روايته "دمية النار" (القائمة القصيرة للبوكر 2012) التي جاءت بنفَس بوليسي في سياق اختاره الكاتب بدقّة، فقد جعل من انتقاد الواقع والسلطة وعوامل التخلّف مشروعه المستمر.

هذا إلى جانب بعض "الاستراحات" التي جسّدها كتابه "سيرة طائر الليل" (2013) والشذرات التي جمعت في كتاب "والأرض تحترق بالنجوم" (2015) وتحمل سيرة متأمّل ينشد الحب والسلام في شكل أدبي يخفي جزءاً كبيراً من حياة اختار الكاتب أن يبوح بها بعيداً عن صرامة الشكل الروائي.

المساهمون