وليد الشيخ: بهجة الشعر والخسائر

وليد الشيخ: بهجة الشعر والخسائر

12 فبراير 2015
(العربي الجديد)
+ الخط -

قلّة من الشعراء تستطيع جلب الشعر إلى النثر بتعقيداته وسهولته التي تأتي من كونه مشاعاً إلى الحد الذي يجعلنا نخاف على اللغة منه؛ وقياساً إلى هذا، فإن المعاناة التي تسبق بناء مجموعة شعرية جديدة، أو نصاً شعرياً، تكون في البحث عن البهجة في الأساس ومن ثم أشيائها، اللغة والتحريض وجلب الجاذبية من مكامن اللحظة التي يكون الجمال فيها جارحاً ومخيفاً مثل الشعر.

وليد الشيخ، المولود في بيت لحم (1968)، واحدٌ من الذين يصنعون البهجة من الشعر وفيه. في مجموعته الأخيرة، "أندم كل مرة" (الأهلية للنشر)، يظل مهيمناً على كيان المتلقي بعد الانتهاء من القراءة، لتقديمه البهجة كحالة يمكن الحصول عليها في عملية بحث ذاتية في الدرجة الأولى.

ووفق ذلك، لا يتعامل الشيخ مع شعره من باب الواجب، أو حتى من باب الوفاء، إنما يأتي بالكتابة من حياته وهو العائد من روسيا إلى بيت لحم دون أن ينسى حقيبته أو عنوان بريده هناك.

الاقتراحات التي تقدّمها المجموعة لا تقتصر على الابتعاد عن الغنائية المعروفة التي ارتبطت بمحمود درويش، ولا تنتهي عندها بالتأكيد، فاللافت أنّ الشعر يحدث في الداخل، داخل وليد الشيخ نفسه، وهو بذلك يتساوى بتجارب آخرين، كبسام حجار الذي يجلس في ظلال النصوص دون أن يظهر أثره.

يمكن القول إن الشيخ يمشي برفقة بسام حجار دون أن يشرب من مائه، أو أن يبادله الحديث. ويمكن القول أيضاً إن غنائية درويش تأتي في سياقها كاحتفال بالحياة.

غير أن حدوث الشعر في الداخل لا يعني أن قصيدة الشيخ خارج الإطار. هي تتقن التعامل مع عوالمها بكثير من المخاطر والمغالطات أيضاً، بحيث تبدو التجربة هي ما يعني الشاعر، مثلما تعنيه استمرارية اللحظة الشعرية وتطورها.

ووفق ذلك، يمكن القول إن ابتعاد الشاعر عن البلاغة والغنائية، والاقتراب من البهجة الخفيفة، هو الشعر الذي يُكتب في الداخل الفلسطيني، ليس وليد الشيخ فحسب، بل الأصوات الأخرى التي أتت وتأتي مثقلةً بأسئلة الاستمرار والبحث.

وفي الوقت ذاته، لا تحاول هذه الأصوات كسر إطار الدائرة، دائرة اليومي الذي يأخذ من البوح الحميمي والشخصي أسلوباً للإطلالة على صراع كبير اسمه الاحتلال.

في جانب آخر، إن المستوى الذي يطرحه الشيخ ذو طبيعة مختلفة ومغايرة عن التجارب الأخرى التي عليها أن تثبت نفسها ذاتياً. ففعل الاشتباك الذي تفرضه الكتابة الفلسطينية للخروج من ظلال السابقين، يفرض على الكُتّاب الإمعان في مغايرة النصوص الفلسطينية الأولى، وهذا ما يقدمه صاحب "أن تكون صغيراً ولا تصدق ذلك"، سواء في الابتعاد عن أية محاولة لترويض مخيّلته، أو في الالتزام بشروط الكتابة نفسها، عبر سعيه إلى النص المجهول والغامض الذي لا يريد تقليد كتابة فلسطينية سابقة.

المساهمون