"إفلاس اليسار العالمي": صراع إمبرياليات جديدة

"إفلاس اليسار العالمي": صراع إمبرياليات جديدة

31 مايو 2018
(غرافيتي في برلين ضد توسّع الاستثمارات باسم التنمية)
+ الخط -
يرى المفكر الفلسطيني سلامة كيلة (1955) أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 أعادت الصراع بين الإمبرياليات من جديد، وعاد طرح مسألة تقاسم العالم، ما يستدعي فهم التحوّلات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وكشف جوهر أزمة الرأسمالية كنمط.

فكرة أساسية يطرحها في كتابه الجديد "إفلاس اليسار العالمي" الذي صدر حديثاً عن "منشورات الوعي الجديد" في عمّان، الذي يؤكد على أن "أميركا لم تعد هي الإمبريالية الوحيدة، التي تريد السيطرة. حيث نشأت رأسماليات أخرى باتت تنافسها"، لافتاً إلى أن روسيا باتت رأسمالية، وكذلك الصين، وبات لهما مصالح وميول للتوسع الخارجي، وإلى الأسواق وتصدير السلع.

هنا يشير صاحب "كراسات ماركسية" إلى أن سوء الفهم لمعنى التناقض الأساسي في الصراع لدى اليسار، حيث يتحدّد هذا التناقض، وفق الماركسية، بما هو طبقي، أي في بنية المجتمع ذاته، بينما حدّد اليساريون منذ الحرب الباردة تناقضهم الأساسي مع "الإمبريالية" الأميركية، وهكذا "جرى خلط الاستراتيجية المبنية على تجاوز الرأسمالية بالتكتيتك الذي يفرض تحديد التناقض في واقع محدد ولحظة محدّدة".

ويوضّح أن مفهوم التحرّر الوطني ظلّ هو جوهر فكر "اليسار"، رغم أن الاستقلال عنى تحوّل التناقض من تناقض مع الدولة المحتلة إلى تناقض مع طبقة "قومية" (أو محلية) في إطار تكوين طبقي تشكّل خلال عقود من وجود الاحتلال، وكانت "قوة" هذه الطبقة نابعة من ارتباطها بالرأسمال الإمبريالي.

تحوّلات عديدة حدثت بعد انهيار الاشتراكية وأزمة الرأسمالية، بحسب كيلة، حيث أصبح العالم رأسمالياً ككل، وتراجع وضع الولايات المتحدة ولم تعد قادرة على التحكّم في العالم الجديد، وأخذا الثالوث الرأسمالي (أميركا وأوروبا واليابان) يتفكك نتيجة تناقض المصالح، وتحوّلت كلّ من روسيا والصين إلى دولتين إمبرياليتين تتنافسان على الأسواق والسيطرة.

يرى الكتاب أن الصراع بين هذه الإمبرياليات عاد كما كان، بشكل ما، مع بداية القرن العشرين، حيث نشأت إمبرياليات جديدة أرادت اقتسام العالم، لكنها اليوم لم تصل بعد إلى أن تتشكلّ في محاور. ولا تشذّ روسيا عن هذا السياق، كما تصوّرها تيارات يسارية، حيث تسعى "موسكو إلى أن ترث الدور الأميركي في السيطرة على العالم؛ أي أن تصبح الدولة العظمى المهمينة".

يبيّن كيلة أن روسيا الرأسمالية باتت بعد أن أعادت تنظيم اقتصادها مع وصول بوتين إلى الحكم، في وضعية تفرض عليها التوسع الخارجي، فهي إمبريالية جديدة في عالم مسيطر عليه من قبل الإمبرياليات القديمة، ولهذا ليس لها خيار سوى التفكير بالقوة العسكرية، كما حدث من قبل في ما يتعلّق بألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن "التدخل الروسي في سورية لم يكن من أجل التمركز العسكري والسيطرة ونهب البلد، بل كذلك لترِث أميركا في الشرق الأوسط".

يخلص كيلة إلى أن مقاربات اليسار العالمي لشكل الصراع في العالم، يعني أنه "أعلن إفلاسه وبات جزءاً عضوياً من العالم القديم الذي يدافع عن وجوده".

دلالات

المساهمون