"فكرة الغرب": من عقدة الرجل الأبيض إلى الأفول

"فكرة الغرب": من عقدة الرجل الأبيض إلى الأفول

13 يونيو 2018
منير فاطمي/ المغرب
+ الخط -

لم يعبّر مفهوم الغرب في أيّ من مراحل التاريخ الإنساني عن جغرافيا بعينها، حيث بدا ملتبساً منذ القدم ومتعدّداً في إحالاته السياسية والاقتصادية والدينية، وظلّ محكوماً أيديولوجيا بطبيعة الصراعات المتعلّقة به، فهو يشير في حقبة إلى الانقسام المسيحي بين كنيستي بيزنطة وروما، وبين أوروبا والمشرق العربي إبان حروب الفرنجة، وبين الشيوعية والرأسمالية في عصرنا الحديث.

اليوم باتت المسألة أعقد بكثير كما تناولتها دراسات عدّة سواء في التنظير لنهاية المفهوم أو احتضاره بالإشارة إلى تباعد ضفتي الأطلنطي وتشكّل هوية أوروبية منافسة لنظيرتها الأميركية، أو في النظر إلى الشرق بوصفه متعدّداً بعد نهاية الحرب الباردة، فهل الصراع شرقاً هو روسيا جديدة أم مع الصين أم "إرهاب" إسلامي.

ألاستَير بونيت، أستاذ الجغرافيا الاجتماعية في "جامعة نيوكاسل" في إنكلترا، أحد أبرز المنظّرين حول تحوّلات الهوية ضمن أبحاثه في الإثنوغرافية وعلم الاجتماع التي تتتبّع تاريخ الصراع شرق/غرب وتداعياته على العديد من القضايا الراهنة، ومن أبرزها "مناهضة العنصرية" (2000)، و"الهويات البيضاء: المنظورات التاريخية والدولية" (2000).

يطرح كتابه "فكرة الغرب: الثقافة والسياسة والتاريخ" (2004) الذي صدرت ترجمته حديثاً ضمن "سلسلة ترجمان" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ونقله إلى العربية أحمد مغربي، تساؤلات عدة من قبيل: ما الغرب؟ وما أصول هذا المفهوم؟ وما تاريخه؟ وما تجلياته المختلفة؟ وما علاقته بخصومه وصراعاته؟

ينطلق بونيت من مقاربات متنوّعة حول تمثيلات الغرب، بالاستناد إلى مصادر ومرجعيات مختلفة حول العالم، ضمن فرضية أساسية لا ترى في الغرب مجرّد فكرة غربية لطالما جرى تخليقها وتصويرها بطريقة نمطية، حيث ارتبطت بكيفية تعريف القوى السياسية الكبرى في القرن الماضي في ما يتعلّق بالغرب، بدءاً بأدبيات الشيوعية السوفيتية، ومروراً بالثقافات "الروحانية" الآسيوية، ووصولاً إلى "التصوّرات الإسلامية الراديكالية، والتي تعكس العلاقة المعقّدة في منظّور كلّ منها بين الرجل الأبيض والغرب.

بناء على ذلك يشير الكتاب إلى أن الغرب من صنع غير الغربيين إلى حدّ بعيد؛ إذ يبدو أن أفكار غير الغربيّين عن الغرب سبقت نظيرتها عند الغربيّين في حالات عدّة؛ وأنَّ الشرق لم يقتصر على استيراد الغرب وتبنّيه من خلال نوع من التهجين؛ وأنَّ الثقافات غير الغربية كثيراً ما بَنَت على نحو فاعل ومُبتَكَر صوراً وتمثيلات للغرب تناسب حاجاتها السياسية في كلّ مرحلة؛ وأنَّ هذه التمثيلات غالباً ما كانت مختلفة أشدّ الاختلاف عن الغرب الفعلي.

في الوقت نفسه، يصوّب بونيت على "ذلك النوع من العدوانيّة الذي أبداه هانسون ومارغاليت وبوروما، وهم كتّاب معاصرون ويدين ما يروّجون له باستمرار من أساطير عن مواجهة محتومة بين الشرق والغرب وعن انتصار الغرب الأكيد.

يعود صاحب "ما هي الجغرافيا؟" (2011) إلى أن فكرة الغرب نشأت من "فكرة البياض" التي توقف استخدامها في ثلاثينيات القرن العشرين، حيث صعدت نظرية "تفوق الرجل الأبيض" لكن سرعان ما تساقطت بسبب توتر خطابه وتدهوره، علاوة على وجود الأعراق المتباينة التي تتدرج تحت مقولة "البياض"، حيث كشفت الحرب العالمية الأولى الانقسامات الطبقية الحادة بين "الإخوة"، وتبيّن أن الهوية البيضاء ليس لها تاريخها المستقل.

ويتوقف عند فكرة الغرب الذي كان يُنتظر أن تنطلق منه الثورة الاشتراكية، إلى اعتباره في ما بعد عدواً للدولة السوفييتية الوليدة، ثم ينتقل إلى نقاش دعاة التغريب في آسيا متناولاً نموذجي المفكريْن الياباني فوكوزاوا يوكيتشي والتركي ضياء غوكالب، اللذين دعوا إلى امتلاك أدوات الغرب الفكريّة والعسكريّة والاقتصادية من أجل امتلاك مستقبل قومي مستقل، لا إلى الالتحاق به.

يقارب صاحب "خارج الخريطة" (2013) الاختلافات التي طرأت على الصور النمطية عن الغرب التي تضعه مقابل آسيا، موضحاً أن الرفض لها أصبح هشا "أمام قوة النموذج النيوليبرالي المعولَم الذي يهيمن عليه الغرب".

يتطرّق الكتاب إلى أفول الديمقراطية الاجتماعية وبروز النيوليبرالية بوصفها برنامج عمل لباقي العالم، مع أنّها في رأي بونيت تفكير طوباوي وأيديولوجيا، منتهياً إلى تطوّر يوتوبيا لدى الإسلام السياسي الراديكالي هي مقلوب الغرب وصورته المعكوسة.

المساهمون