إيقاظ القارئ

إيقاظ القارئ

05 أكتوبر 2018
دِسبينا ستوكو/ اليونان
+ الخط -

قال الروائي اللبناني توفيق يوسف عواد (1911 - 1989)، صاحب "الرغيف" و"طواحين بيروت" إن مهمّة الكتابة هي "الضجيج ما أمكننا الضجيج"؛ فـ "المديح في موضعه مليح. فإن لم يكن فالطعن والتجريح"، ثم أضاف: "المهمّ أن نوقظ القارئ من سباته، وما كان أشدّ حاجته إلى من يضرب على رأسه هذا الضرب، وما أخاله إلّا باحثاً عن الضاربين حتى اليوم".

يستبطن هذا الرأي موقفاً عربياً غارقاً في القدم، قد يبدأ من الزمن الذي نبّهت فيه زرقاء اليمامة قومها. لم تكن النبوءة وحدها هي التي تُميّز حضور زرقاء اليمامة في الشعر، بل رفضُ الناس تصديقها، حين رأت جيش حسّان الحميري قادماً لغزو قبيلتها على بعد ثلاثة أيام.

بل إن الحميري، كان يعرف عنها، ويُصدّق نبوءاتها أكثر من قومها، وقد حاول أن يغشّها، فأمر جنوده بقطع الأشجار وحملها والسير بها كي لا ترى الزرقاء الجيش، لكنها رأت الأشجار ونبّهت قومها الذين ظلوا غافلين حتى وصل إليهم الحميري وأبادهم، ثم فقأ عينَي الزرقاء.

ربما كانت اليقظة والإيقاظ من المفاهيم الأكثر تداولاً في بداية القرن العشرين ومنتصفه، وقد شملت طيفاً واسعاً من المشتغلين في الكتابة، من السياسة إلى الأدب والفلسفة. ولهذا انتشرت في تلك العقود فكرة الكاتب الرسول، أو الشاعر الرسول، وكذلك فكرة الكاتب المتنبّئ، واستخدم نقّاد كثيرون مفردة النبي والنبوءة، فحفلت الكتب النقدية بالحديث عن الكاتب الذي يستطيع أن يتنبّأ بما سيحدث للأمة.

ومن بين الشعراء الذين وُضعوا في هذا المقام بدر شاكر السياب، وثمّة من يقول إن قصائد السياب تنبّأت بما سيحدث في العراق والعالم العربي لخمسين سنة قادمة من بعدها. كما قيل إن العديد من الروائيّين، وخاصة بعد الخامس من حزيران/ يونيو 1967، تنبّؤوا بالهزيمة في أعمالهم.

وفي كل الأحوال، فقد كان كلٌّ من الشاعر والروائي والناقد يأملون أن تكون زرقاء اليمامة هي المنارة التي يُمكن التشبّه بإمكاناتها في معرفة المستقبل، والطلب من الناس أن يصدّقوا النبوءة، وسوف يؤدّي عدم التصديق إلى هجاء العقل العربي المتجمّد الراكد الذي يرفض النبوءة والاستبصار. وهنا يبدو مفهوم الإيقاظ عبثياً وبلا نفع، إذ على الرغم من النداءات التي وجّهها الشعراء والروائيون إلى الناس لتنبيههم أو إيقاظهم، فقد ظلّ الناس نياماً وحلّت الهزائم في ديارهم.

اللافت أن عدداً كبيراً من هؤلاء الذين يتقمّصون دور الزرقاء، قد تكاثروا في السنوات الأخيرة، ومن بينهم أفراد لا علاقة لهم بالإبداع الروائي أو الشعري، خاصّة أولئك الذين يدّعون أنهم "رأوا" كيف ستنتهي الثورات العربية فشلاً بالطبع، ويُلخّصون الموقف بعبارة "أما قلنا لكم؟".

لم يسأل توفيق يوسف عواد عن الضمانة التي كانت لدى العاملين في تلك الصحيفة بأن مفعول الضربات سوف يكون إيجابياً، ولم يستفسر عما إذا كانت الرسالة صادقة فعلاً، فالكاتب المسحراتي الذي يضرب طبله في الليل صارخاً: "يا نايم وحّد الدايم"، قد يكتشف أن المعني بالنداء لم يستمع إلى طبله بتاتاً.

دلالات

المساهمون