الكتابة المصرية.. سؤال الطليعية الآن

الكتابة المصرية.. سؤال الطليعية الآن

13 يوليو 2014
عمل لـ رمسيس يونان/ مصر
+ الخط -

"كتّاب طليعيون" عبارة بدأت تأخذ صدى كبيراً في الفترة الأخيرة داخل الوسط الثقافي المصري، خصوصاً بين الروائيين الشباب. وبخلاف ما يظنّه بعض النقاد والكتّاب، العبارة ليست مجرد مجرد كلمة لوصف ظاهرة، بل هي تجسيد لتجارب مهمة في الكتابة الروائية، تحاول تقديم أدب مختلف ومتجدد عما سبقه، من حيث اللغة وأسلوب الكتابة والتعاطي مع الأفكار والقضايا الاجتماعية والفكرية.

حول هذه المسألة، حاورنا كتّاباً تندرج كتاباتهم ضمن "الطليعية" بدرجة أو بأخرى، في محاولة لتحديد ماهية هذه الكتابة واستخلاص خصوصياتها في سياق الراهن السياسي المصري واستقطاباته والذي أحوج ما يكون إلى قيم الطليعية.

الشاعر عبد المنعم رمضان يقول لـ "العربي الجديد" إن الأدب الطليعي هو لقب دائم يطلق في كل الأزمنة. هناك كتاب طليعيون كانوا في أوائل القرن الماضي، وفي كل فترة هناك شباب غالباً ما تطلق عليهم هذه الصفة، ليس لأنهم شباب، بل لأنهم يؤسّسون لتقاليد كتابية جديدة، أو يحاولون هدم التقاليد السائدة. ويرى رمضان أن يوسف إدريس ويوسف الشاروني كانا في زمنهما كاتبَين طليعيين، مثل إدوارد الخراط في زمنه، وكذلك إبراهيم أصلان، ومحمد البساطي ورفاقه.

ولا ينسى رمضان الكتّاب السورياليين في مصر الذين كانوا بدورهم طليعيين، ملاحظاً أن الطليعة في فترة من الفترات كانت شديدة الارتباط باليسار، أدباً ومعتقدات، ومضيفاً أنه لم يصادف طليعيين يمينيين إلا نادراً. أما اليوم فالطليعيون ليسوا يساريين ولا يمينيين، بل هم أقرب إلى الديمقراطية الليبرالية، وهذا أمرٌ يحتاج إلى تأمل كبير.

وحسب رمضان، نستطيع أن نزعم أن الطليعية ترتبط بالنوع الأدبي أو الفني. ففي الوقت الذي يكون فيه الشعر هو من يسحب القاطرة ، تكون قاطرة الأدب في مكان ما، وتصبح الطليعية للشعراء أكثر. الآن يبدو للبعض أن الرواية هي التي تسحب القاطرة لأن أغلب الكتاب الطليعين هم روائيون. هناك نوع أدبي أو فني يفرض نفسه في زمنٍ ما، يصبح هو السيد. أحياناً يكون الفن التشكيلي، كما حدث في منتصف القرن الماضي، وأحياناً يكون الشعر، لكنه الآن الرواية.

من جهته، يعتقد الروائي والمترجم أحمد عبد اللطيف أن الأدب الطليعي هو الذي يخرج عن سياق المعروف والمتناول، سواء على مستوى الشكل أو المضمون. بهذه الطريقة يمكن أن نتحدث عن أدب طليعي مصري رصف طريقاً جديداً في السرد العربي واهتم بتقنيات الرواية وخرج بها من مجرد الحكاية.

أما عن التأثر بالرواية الغربية فيرى عبد اللطيف أن هذا التأثر ليس معناه تقليدها بقدر ما هو إضافة لها، فالأدب يتلاقح كما يقول تاريخ الأدب، ومع كل تلاقح ينتج أدب جديد أو كتابة جديدة، وتصبح الحدود الفاصلة في التأثيرات شبه متلاشية وذائبة في بعضها. الرواية التجريبية المصرية الجديدة استطاعت أن تنقل اللغة من جمودها، وأن تطرح أزمة اللغة العامية بالتخلي عن كلمة أزمة. ويمكن أن تقارن الآن بين اللغة المحفوظية (نسبة إلى نجيب محفوظ) أو لغة جيل الستينات، واللغة في الكتابة الشابة.

هذا الانتقال من أرض إلى أخرى ومن عالم إلى آخر، ومن تقنية إلى أخرى، لا يمكن أن يسمى سوى أدب طليعي يستجيب لمطالب العصر وانفتاحه، كما يستجيب لأزمات الإنسان الجديدة، التي يتم تناولها بطرق مختلفة.

ويتفق الروائي طارق إمام مع وجهة نظر عبد المنعم رمضان بأن هناك تيار طليعي لا يقتصر على الجيل الحالي، إنما هو تيار سردي من الستينات حسب ظنه، وله في كل جيل نماذج، تحاول الاشتغال عليه، يقابله تيار تقليدي موجود أيضاً في كل الأجيال. ويذكر إمام من الكتاب الطليعين في الستينيات محمد حافظ رجب، ومحمد إبراهيم مبروك.

وفي تحليله للكتابة الطليعية في مصر، يقول إنها تتحقق على عدة مستويات، أوّلها اللغة الروائية، وتجديد شكل اللغة الروائية، وعدم الركون للغة الحكي التقليدية التي نستطيع أن نجدها في أعمال روائية كثيرة. المستوى الثاني هو الاشتغال على البنية الروائية بحد ذاتها وعملية تجديدها.

ويضيف إمام إنه في النهاية نستطيع القول إن تجربة الكتابة الطليعية هي ليست تجربة شكلية أو شكلانية، بل رؤيوية، أي كيفية الخروج برؤية للرواية وعالمها تكون غير تقليدية.

ويؤكد إمام أن هناك كتّاب الآن يركّزون في كتاباتهم على العنصر العجائبي والغرائبي، وفتح المخيلة، واللعب بعيداً عن النص الواقعي، لأن النهر المتدفق للرواية العربية حتى اليوم يسير على خط الواقعية بكل تنويعاتها. والخروج من عباءة الرواية الواقعية نحو رواية فانتازية أمرٌ مهم حققه أكثر من كاتب مصري شاب مثل أحمد عبد اللطيف.

أما الروائية منصورة عز الدين فترى أن ثمة كتابة تجريبية مزدهرة في مصر مقارنة بالدول العربية الأخرى. ولا يقتصر الأمر على وجود كتَّاب لديهم الجرأة على التجريب والنزوع إلى المغامرة في الكتابة، بل ثمة قارئ متذوق للكتابة الطليعية ومتحمس لها.

ولا تعتقد عز الدين بأن وصف كتابة ما بالتجريبية أو الطليعية هو حكم قيمة إيجابي بالضرورة، فثمة كتابة قد تختبئ خلف ظاهر الجدة والتجريب، في حين لا تتّسم في باطنها بهذه الجدة المدعاة. وفي المقابل هناك كتابة تتمسك من ناحية الشكل بالبنية الكلاسيكية للرواية لكنها بالغة الجدة من ناحية الأفكار أو العالم الذي تقدّمه.

المساهمون