المتوحّد

المتوحّد

18 يناير 2019
كريستوفر لوبران/ بريطانيا
+ الخط -

فيما يجلس خيسوس على طاولة العشاء، يرى فجأة طيف أبيه.

خيسوس يشعر بعدم ارتياح لهذا الحدث. إنه في شقته وحيداً، كما كان منذ ثلاثين سنة. وحيداً إلا من كتبه ومطبخه وتمثال الفتاتين الأفريقيتين.

خيسوس، بخلاف عائلته، متوحّد جداً. لو سأله عابرُ طريق عن عنوان، لشعر فوراً بأنّ خصوصيته المقدّسة قد اقتُحمت. خيسوس يعيش في برشلونة على راتب يأتيه من نيكاراغوا. لذا لا حاجة له عند أي بشر.

ولِمَ يعني أُخالطهم، وهم على ما هُم عليه؟

كلا. البشر لا يروقون لعينَيّ مطلقاً. يكلّم ذاته. ولا أبي. كان، لتحفّه الملائكة بالنور، زيرَ نساء، ونذلاً مع أمي. أنا أحب أمي عميقاً. ومنذ وعيت الدنيا وبي خوف من لحظة رحيلها. وهي رحلت؛ يقول خيسوس لحائط المطبخ الأيسر. ورحل إخوتي - يستدير ويحدّث الحائط الأيمن. وحبيبتي روسا البيضاء، هزمتها الحياة، فماتت شابة. ليرحمهم ملاكُ الربّ جميعاً.

ينزل عن الكرسي ويتمدّد بطوله على أرضية المطبخ.. يوجّه كلامه لنقطة معيّنة في السقف:
وأنت أيها العنكبوت، طيب وتعِس مثلي. يقول لخيوط سوداء خفيفة. ثم ينهض، ويجلس على الكنبة في الغرفة.

ينظر إلى شمس الشارع. يرتعش. يُنَهْنِه. ثم يفعل ما يفعله منذ ثلاثين سنة:
يقوم ويُرجع الطعام للثلاجة.


* شاعر وكاتب فلسطيني مقيم في برشلونة

المساهمون