"الجزائر للكتاب": أسئلة معلّقة لكلّ عام

"الجزائر للكتاب": أسئلة معلّقة لكلّ عام

28 أكتوبر 2016
("الجزائر للكتاب"، 2015، تصوير: رمزي بودينا)
+ الخط -

مع أن قطاع الثقافة يعيش منذ أكثر من سنتَين مرحلة "شدّ حزامٍ" على خلفية انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، فإن بإمكانك انتظار دورك في الطابور الطويل المصطفّ أمام مدخل "قصر المعارض" في الصنوبر البحري، شرقَي الجزائر العاصمة، من دون أن تشغل بالك بثمن التذكرة التي ستدفعها مقابل دخول أجنحته؛ حيثُ ستجد قرابة أربعين ألف عنوانٍ تشارك بها 963 دار نشر من خمسين بلداً عربياً وأجنبياً.

لعلّ تلك المعلومة تليق بحملة إعلانية لاستقطاب زوّار أكثر. لكن "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، الذي انطلقت فعاليات دورته الواحدة والعشرين أوّل أمس الأربعاء وتستمرّ حتّى الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يبدو زاهداً في الترويج لنفسه.

هكذا، لن تجد لوحاتٍ ضخمةً على جنبات الطريق، ولا إعلانات على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي تروّج للتظاهرة التي تحمل في دورتها الجديدة شعار "الكتاب، اتصال تام".

يُدرك القائمون على المعرض أن ثمّة ما هو أهمّ من الترويج و"الاتصال"، بما أن الحدث الثقافي ينتظره الناشرون والقرّاء والكتّاب والتجّار القادمون من محافظات البلاد الثمانية والأربعين منذ اثني عشر شهراً. في الدورة الماضية، أُعلن أن عدد الزوّار فاق مليوناً ونصف المليون، وليس مُستبعداً أن يُعلَن عن ارتفاع العدد هذا العام.

يرى القائمون على التظاهرة، والقائمون على الشأن الثقافي عموماً، في تلك الأرقام دليلاً على نجاحٍ استثنائي يجعل منه واحداً من كبريات المعارض عربياً ودولياً، غير أن الأرقام نفسها تكشف، من جانب آخر، حقيقةً يعيشها سوق الكتاب في الجزائر؛ تتمثّل في نقص أو غياب مكتبات بيع الكتب في المدن الجزائرية، وعدم دخول الكتاب الأجنبي إلى البلاد في بقيّة أيّام السنة، وانعدام توزيع الكتاب المحلّي، وهي معطياتٌ تجعل من المعرض فرصة لا تُعوَّض بالنسبة إلى الناشر والقارئ والكاتب والتاجر، على حدّ سواء.

أمام تلك الأرقام الكبيرة، سيبدو "سيلا" المكانَ المثالي لتجريب وصفة وزير الثقافة الحالي بشأن تحويل الثقافة من قطاع مستهلِك إلى منتج. فمنذ وصوله إلى "مبنى العناصر" (مقرّ وزارة الثقافة) في أيّار/ مايو 2014، لم ينفكّ عز الدين ميهوبي يبشّر بعهدٍ جديد عنوانه الأبرز نهاية مجّانية الثقافة.

المقصود هنا، قد لا يتعلّق بمتابعة المشتغلين في المجال الثقافي، سواءً كانوا ناشرين أو منتجين ومخرجين سينمائيين ومسرحيين وغيرهم ومطالبتهم بتقديم مردود مادّي على إنتاجاتهم التي أُنجزت بدعمٍ سخيّ من الدولة، بقدر ما يتعلّق بفرض مقابل أمام الجمهور العادي الراغب في حضور عرض موسيقي أو مسرحي أو سينمائي.

سيبدو المعرضُ المكانَ المثالي، لأن أيّة تظاهرة ثقافية لن يكون بوسعها استقطاب كلّ ذلك الجمهور. السينما والمسرح لن يكونا مناسبَين لتجريب الوصفة، بما أن الأفلام والمسرحيات تُعرض، عادةً، أمام مقاعد فارغة.

مع ذلك، لن تشغل بالك بثمن التذكرة، فقد أُلغيت التذاكر التي كانت معتمدةً سابقاً، والسببُ، كما يقول مدير المعرض، حميدو مسعودي، في ردّه على سؤال "العربي الجديد"، هو الحرص على ألّا يؤدّي ذلك إلى حرمان القارئ الجزائري من الكتاب، والعمل على أن تكون التظاهرة موعداً ثقافياً في الأساس، لا مناسبة تجارية.

غير أن إدارة المعرض، الذي انخفضت ميزانيّته بنسبة خمسين بالمائة مقارنةً بالدورة السابقة، فرضت، من جهة أخرى، رسوماً إضافيةً على العارضين، وهي خطوة يعترف مسعودي أنها ستُؤثّر على تجهيز دور النشر وتزيينها. لكن الأهم، هل ستؤثّر سلباً على أسعار الكتب؟ يستبعد المتحدّث ذلك، لكنه يضيف أن الإدارة لا يُمكنها أن تفرض على الناشرين تسقيف الأسعار.

يلحّ مسعودي على أن المعرض ليس موعداً تجارياً، ويشدّد على أن إدارته تولي اهتماماً أكبر بالكتب الجديدة، خصوصاً العلمية والأكاديمية منها، مشيراً إلى منع قرابة عشرين دار نشر عربية من المشاركة في الدورة الحالية "لأنها خرقت قانونه الداخلي في الدورة الماضية"، ويتعلّق الأمر أساساً بظاهرة البيع بالجملة التي يعتبرها شكلاً من أشكال التهريب: "نهدف إلى توفير الكتاب للقرّاء، وليس للتجّار".

"لجنة القراءة"، المكوّنة من وزارات مختلفة والتي ستواصل عملها إلى غاية انتهاء التظاهرة، صادرت قرابة 131 عنواناً لدور نشر عربية، من بينها عشرون عنواناً محلّياً، وهي "إصداراتٍ تروّج للإرهاب، أو تحرّض على الفتن، أو تسيء إلى الجزائر"، حسب مدير المعرض. اللافت أن الكتب المصادَرة لا تضم عناوين لدور نشر أجنبية، ما يعني أن المنع يطاول الكتب الدينية أساساً، أو أن الناشر الأجنبي هو الأكثر احتراماً لقانون التظاهرة.

في ما يخصّ البرنامج الثقافي، تركّز الدورة الجديدة، التي تحضر فيها مصر كضيف شرف، على الندوات الأدبية، بمشاركة قرابة 90 كاتباً من الجزائر وخارجها، بعد أن سيطرت المواضيع التاريخية على الدورات السابقة. توجُّهٌ يعزّزه الكمّ الكبير من الإصدارات الأدبية هذا العام والتي تقارب ثمانين عملاً بالعربية والأمازيغية والفرنسية، ومعظمها صدر بمناسبة المعرض. الملاحظة التي يُمكن توجيهها هنا هي تكرار الأسماء والمواضيع نفسها التي تكاد تكون حاضرةً في كلّ عام.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يسجّل الروائي والناشر، بشير مفتي، أن معظم الندوات تطرح عناوين عامّة وتتحاشى مناقشة الإشكاليات الثقافية الحقيقية: "في الدورة الماضية مثلاً، أُقيمت ندوة حول الكتاب الإلكتروني، بينما لم نناقش بعد، بشكل جادّ، واقع الكتاب الورقي".

يلفت مفتي، من جهة أخرى، إلى أن الجانب التجاري في التظاهرة هامّ ولا يُمكن التغاضي عنه بما أنها الفرصة الوحيدة التي تتوّفّر فيها الكتب، متسائلاً: لماذا لا يستمرّ الاحتفاء بالكتاب طيلة أيّام السنة؟

سؤالٌ تجيب عنه مديرة "منشورات ميم"، آسيا علي موسى، قائلةً إن المعرض يعكس وضعاً ثقافياً عامّاً ومشهداً متعباً يُميّزه الركود الذي تعرفه مبيعات المكتبات، والمعارض الوطنية الهزيلة، وغياب اللقاءات الثقافية الجادة. تضيف: "في غياب تقاليد ثقافية، يبقى المعرضُ هو الحدثَ الثقافي الوحيد وطنياً الذي ينتظره الجميع، له خصوصية صناعة فرح صغير في هذا الموت الطويل".

تشير علي موسى إلى بعض الهنات التنظيمية؛ أبرزها "الحصار المضروب على الكتاب بفعل القوانين التي تسيء إليه أكثر ممّا تخدمه. إجراءات الجمركة وتبعاتها، وكلفة الأجنحة المرتفعة، وتوزيعها غير العادل، كلّها مسائل يجب أن تُناقَش، لأنها أصبحت لا تُطاق".

أمّا الناشطة الثقافية، حبيبة العلوي، فترى أن المعرض "تحوّل من موعدٍ ثقافي إلى حالة اجتماعية يستغلّها الجزائريون للالتقاء"، معتبرةً أن "الناشرين الأجانب يتعاملون بنوع من البراغماتية التجارية التي لا تحرص على إفادة القارئ الجزائري بآخر الإصدارات وأكثرها تميّزاً، وهو أمرٌ يجب أن ينتبه إليه القائمون على المعرض الذي يُفترض أن يكون مناسبة لتقديم جديد العلوم والآداب العالمية للقارئ الجزائري المتعطّش، لا تعويمه بالنمطي والمستهلَك".

تضيف: "علينا في النهاية أن نستثمر في درجة استقطاب هذه المناسبة لخلق محيط يحتفي بجديد الكتاب والقضايا الثقافية الراهنة والملحّة، ثمّ علينا أيضاً أن نُجري تقييمات حقيقية وشفّافة لجدوى ومخرجات المعرض، من حيث الأثر الثقافي والاقتصادي والاجتماعي".

من جهته، يعتبر الكاتب والأكاديمي، اليامين بن تومي، أن المعارض في الجزائر بقيت فكرة معزولة ونسقاً مجرَّداً من الانتماء إلى المجتمع الحديث لغياب فكرة تقاليد القراءة أساساً، حيث ما زلنا لم ندخل بالقراءة إلى حاجات المجتمع الحديث.


المساهمون