ألان فينكلكروت.. عنصري في "الأكاديمية الفرنسية"

ألان فينكلكروت.. عنصري في "الأكاديمية الفرنسية"

14 ابريل 2014
"العنصرية" / دومينغو أولوا
+ الخط -

لم تَعُد فرنسا، اليوم، تُصدِّر الفلسفة والفكر كما كان عليه الشأن في السابق مع مفكرين وفلاسفة من أمثال جان بول سارتر ودولوز وبورديو وفوكو ودريدا وغيرهم. مضى زمن كان الجنرال المنتصر شارل ديغول يقول فيه إن بلداً قوياً كفرنسا لا يمكنه أن يسجن فيلسوفاً كبيراً كسارتر.

مضى الزمن الذي كان سارتر يعلن فيه عن رأيه ضد سياسات بلده الكولونيالية والظالمة ويتضامن مع نضال شعوب مضطهدة، ومع عُمّال مسحوقين وطلبة حالمين في بلده، قبل أن يتخطَّفَه في غيابات مرضه يساريون سابقون وصهاينة مُندسّون ومتربصون.

لقد تُرِكَ في فرنسا المجالُ لأشباه فلاسفة، "فلاسفة جدد"، لا يعرفون من التفكير إلا مُعاداة الشيوعية واليسار والتهجم على الإسلام، باسم الدفاع عن العلمانية المُهدَّدَة، والتماهي مع إسرائيل، باعتبارها ديمقراطية غربية في وسط عربي مُعادٍ. ومن بين هؤلاء الذين تفتح لهم الميديا صفحاتها وأحضانها: برنار هنري ليفي ومارك هالتر وأندريه غلوكسمان وآلان فينكلكروت وآخرون، يجولون ويعبّرون عن فكر وثقافة فرنسا في هذه الألفية الجديدة.

والحقيقة أنه لم يتوقع الكثيرون أن تقوم الأكاديمية الفرنسية العريقة، "مجمع الخالدين"، بانتخاب المفكر الرجعيّ والنيوكولونيالي ألان فينكلكروت عضوا فيها وفي الدورة الأولى من التصويت. وقد شكل الأمرُ، فعلاً، صدمةً للكثيرين، مثقفين وناساً عاديين، خُصوصاً وأن هذه المؤسسة العريقة كانت تُحاول أن تتجدد كي تُسايِر العصر وتتفتح على آفاق واسعة ومتنوعة من الثقافة من خلال انتخاب أعضاء سود (سنغور) وعرب (آسيا جبار وأمين معلوف).

وفي الوقت الذي كَبُرت فيه الأكاديمية مع انتخاب آسيا جبار، هذا الرافد النسوي والعربي الإسلامي، وأمين معلوف، هذا الشرقي الداعي إلى حوار الحضارات، الذي يكشف عن كل ما يُعبّر عنه المسيحي العربي الأصيل من محبة وتسامُح ونزوع لا ينضبُ إلى الحِوار والكشف، فإنها، حتماً، لم تَكبُرْ مع انتخاب شخصية، مثل فينكلكروت، وهو من دعاة الانغلاق والانطواء والحذر من الآخَرين، بل والرجعية.

لا يبدو أن هذا المفكر يختلف عن فكر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقد دعا، كِتابةً وتصريحاً، لانتخابه، هو ومجموعة من المفكرين الصهاينة، الذي تجرَّأَ أن يقول في خطاب دَكَّار الشهير: "إن الإنسان الإفريقي لم يدخل التاريخ بعد".

ولا يُعرف عن فينكلكروت في كتاباته وحضوره الإعلامي الكثيف ـ فهو ضيف دائم على الإعلام ويشتغل فيه، مع راديو فرانس ـ أيّ عطف على مكونات المجتمع الفرنسي غير المكوّن الأبيض، بل إنه وقّع على بيان يدين "العنصرية" التي تُمارَس ضد البيض "طبعاً من قبل السود والعرب".

إن فينكلكروت ضحيةٌ لانتمائه اليهودي (البولوني)، وهو يمقت أشد المقت كل نزوع نحو الاختلاط والتهجين والخلاسية، وكَمْ كان مُثيراً، في قمة انتشاء الأمّة الفرنسية بفوز فريقها بكأس العالم للمرة الأولى، أن يخرُجَ بصوت نشاز مقزز يسخر فيه من هذا الفريق الملون (فرنسيين بيض وعرباً وسوداً) ويَصِفه، في تصريح لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، بفريق "أسْود_أسْود_أسْود"، ويقول إنه فريق "يُثير سخرية أوروبا".

ترى هل كان ليجرؤ على التلفظ بهذا الوصف، لو كان زميلاً لسنغور، أحد دعاة "الزنوجة"؟!

لا تنقص الأمثلة عن مواقف الرجل العنصرية والمريبة، والتي رأى فيها الكثيرون، ومنهم الصحفي المعروف اليهودي جان دانييل، اقتراباً من أطروحات اليمين المتطرف. وليس غريبا أن يدافع فينكلكروت عن الكاتب اليميني الفرنسي رونو كامو، صاحب كتاب "بادية فرنسا" (الذي انتقد فيه بشدة سيطرة اللوبي اليهودي على وسائل الإعلام) قبل أن يعتذر عن فعلته ويُصبِح موالياً لإسرائيل ومتهجماً، بمناسبةٍ أو بدونها، على الإسلام (وقد أدانته مؤخراً محكمة فرنسية لهذا السبب!).

لا يُحب فنكلكروت الزمن الحاضر، يُفضّل الماضي بـ"أمجاده" وعظمته ويرى في الحاضر تفسخاً. ولا يحبّ الغرباء والأجانب. يقول: "لا أحبّ ما صارت عليه فرنسا، اليومَ. إن عشقي لفرنسا هو عشق لشيء بائد، أحس بهشاشته. إن رفض عدد كبير من المهاجرين الذوبان في المجتمع الفرنسي وأيضا الانتقاد الأمريكي لعلمانيتنا قاداني إلى أن أَعِي ما تُمثله فرنسا بالنسبة لي". ويضيف: "في فرنسا يُتَّهَمُ بالإسلاموفوبيا كُلُّ من يريد إخضاع المسلمين لقوانين الجمهورية بدلاً من أن تخضع الجمهورية لإكراهات الإسلام".

والذين يريدون أن يعرفوا مواقف هذا الرجل من الإسلام، وهي كثيرة جداً، عليهم أن يتذكروا أنه في 1989 وقّع على نداء: "أيها المدرّسون، لا تستسلموا!" وكان الغرض منه هو المطالبةُ بِحظر الحجاب في المدارس. وفي إحدى قراءاته لمعنى "الله أكبر"، قال إنها: "صيحة حرب!"، كما اكتشف بِحِسه "الرؤيوي" في سنة 2006 وجود "رابط مرئي بين الإسلام والعنف"، قبل أن يصل إلى اكتشافه الآخر وهو أن القرآن الكريم "كتاب حرب".

ولأن فرنسا عاشت سنة 2005 انتفاضة كبيرة للضواحي اعترفت فيها الدولة والأحزاب بمسؤولياتها وتقاعسها عن مساعدة هذه المناطق، كانت قراءة فينكلكروت مُغايِرة لهذه الانتفاضة التي وصفها بالإثنية والدينية: "المشكل يَكمُنُ في أن معظم هؤلاء الشباب سودٌ أو عربٌ يحملون هوية إسلامية!"

يخرُجُ الفكر الفرنسي منهزماً من هذا الانتخاب، ولكنْ ليس الفكرُ هو المنهزم الوحيد. فكل شيء يشي بأن عالماً آخَر هو بصدد التشكّل. وإذا كانت فرنسا تفتخر بـ"الاستثناء الثقافي" وتُدافع عنه بشراسة ضد الأمْرَكة والعولمة، فهذا المفكر الخارج من دهاليز رجعيي الأربعينيات من القرن الماضي يقول عكس ذلك.

ولعلّ في هذه الجملة القصيرة من مقال الروائي الحائز على نوبل جان ماري لوكليزو، في العدد الأول من صحيفة "رقم 1" ما يبشر بخير: "إن الاعتراف بالأخطاء التي سببناها للأقليّات ليست تخييلاً خيريّاً ولا تكفيراً عن ذنب: إنه الحظ الوحيد لهذه الثقافة (الفرنسية) القديمة، التي تعرضت لاختلاط واسع، كي تُواصِل مغامَرَتَهَا في تعقيدات العالَم. (...) لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة: إما أن نفتحَ "الغيتوات" ونتقاسَمَ هواءَ الاختلاط الجيّد، وإما أن نتيبّس على أطلالٍ أركيولوجيةٍ لتاريخٍ أصبح متخيَّلاً.

دلالات

المساهمون