وقفة مع إيفلين عشم الله

وقفة مع إيفلين عشم الله

20 مارس 2019
(إيفلين عشم الله)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع متابعيه.


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني الوضع العام في منطقتنا وتقلباتها الجيوسياسية التي لا تهدأ. لكن ولأنه ليس في اليد حيلة، فإنني أنقل انشغالي إلى كل ما هو شخصي، والفن هو المساحة الأمثل للتعبير. أنا منذ فترة أعيش حالة فنية أشتغل فيها تشكيلياً على الحكي، ونقله من الشفاهي إلى سطح مرئي. هذه تجربة تشدّني منذ سنوات إليها، تقريباً منذ أربع سنوات، وكنت أعتقد في البداية أنها مرحلة عابرة لكن بمرور الوقت أصبحت جزءاً من حياتي وقطعة من مسيرتي وأنا مستمتعة بها. ومع مرور هذا الوقت، بدأت أتأمّل في هذه التجربة، وأعتقد أنني بصدد بناء لغة حكي جديدة، حيث إن الحرف ليس غريباً عن الحكايات، فكلاهما منتج إنساني، لذا تستطيع الحروف أن تعيد تركيب كل ما في خيال الإنسان ووجدانه، من مشاعر ونظرة للكون وللنباتات والحيوانات وغير ذلك. أصل اليوم إلى نتيجة مفادها أن اختراع الخط والحروف كان نتيجة لمحاولة إدخال كل هذه الأشياء المتنوعة ووضعها تحت يد الإنسان. أشعر أنني بصدد خلق حروفي الجديدة أو جعلها كائنات تستطيع أن تتحدّث عن مشاعري وما يفيض في وجداني.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك المقبل؟
بما أنني ضمن هذه الحالة الفنية، فإن جميع أعمالي الأخيرة تندرج ضمن التوجّه نفسه. لكن، يمكن الحديث عن مستويات في هذه التجربة، الآن صرت أشتغل أكثر على الحكي الشخصي، أي تحويل حكاياتي الشخصية إلى لوحات، فلم أعد أعتمد في هذه المرحلة على استعارة حكايات أو أشعار. المواضيع التي أنطلق منها حالياً تأتيني من مشاهداتي ومن ثقافتي ومن نظرتي للمستقبل، ثم أترك نفسي تنطلق في بناء عمل فنّي. من لوحات هذه المرحلة أذكر عملاً سمّيته "كائنات الحب حروفاً"، انطلقت فيه من حدوتة شخصية.


■ هل أنت راضية عن نتاجك ولماذا؟
ما أنا متأكدة منه هو أنني أحبُّ نتاجي، لأنه ببساطة يمثلني. لم أشعر أبداً أنني لست أنا. منذ بداياتي، كنت أرسم ما يعنّ لي، وبالتالي فكل مساري كان نتاجاً لاختياراتي. من البداية، كنت أعتقد أن لديّ دهشتي الخاصة ونظرتي الخاصة وعالمي الخاص وعملت على التعبير عن ذلك في اللوحات. بالعودة إلى السؤال، يمكن القول إنني بشكل عام راضية عن نفسي، ولكن طبعاً هناك شعور يعود من حين الى آخر بعدم الرضا عن لوحة أو أي عمل آخر، وهذا شعور طبيعي بل لعلّه ضروري، فعدم الرضا نوع من أنواع مقاومة التكرار والبحث عن تطوّر.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
نفسه. سأختار كلّ ما عشته بكل أشخاصه وعثراته. أنا أحب "السِّكّة" التي مشيت فيها.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
أصبحتُ لا أنتظر تغيّرات كبيرة في عالمنا. لا أعتقد أني سأرى في حياتي عالماً جميلاً ونظيفاً. نحن نعيش في عالم استطاعت فيه القلاقل أن ترسّخ أقدامها فيه. يكفي أن أنظر إلى قادة العالم وأنظمته لأتأكّد من ذلك، يبدو لي هؤلاء وكأنهم يريدون الشرّ للشعوب. لكني لا أحمل رؤية متشائمة بالمطلق، أنا فقط أتحدّث عن المدى المنظور، بالنسبة لي على الأقل. أعتقد أن خبرات الشعوب يمكن أن تضع العالم في مسارات مختلفة، ولكن ليس في وقت قريب.


■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
يُفترض من كلمة "شخصية" أن تكون شهيرة أو على الأقل من عالم الثقافة والفن. لكني، أتمنى أن ألتقي جارة قديمة لنا، كانت تدعى "الجدة أم منصور"، كنت أناديها جدّتي. كانت تسكن هي وأسرتها جوارنا حين كنت طفلة. ورغم أننا كنا أسرة مسيحية وكانوا مسلمين فلم يكن هناك أي قطيعة بيننا بل إنني أعتبر نفسي جزءاً من تلك الأسرة.


■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
مرة أخرى أعود إلى زمن بعيد، إلى مكتبة والدي، وفيها قرأتُ كتاباً عنوانه "قمح الشتاء" لمؤلفة أميركية من عشرينات القرن الماضي. كتاب فيه أسلوب عاطفي شدّني ولا زلت إلى اليوم أستعيد حالاته، حين تتحدث مثلاً عن خوف الناس من عنف الطبيعة وأن تدمّر المحاصيل. يعيدني هذا الكتاب إلى طفولتي.


■ ماذا تقرئين الآن؟
أقرأ رواية للكاتبة المصرية ضحى عاصي بعنوان "104 القاهرة".


■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
منذ فترة غير بعيدة قلّلتُ من الاستماع للموسيقى من أجل أن أنتبه أكثر إلى الأصوات من حولي. لكني أحياناً أحنّ إلى سماع أغنية أو قطعة موسيقية من مكتبتي الموسيقية فأستمتع بها. أريد أن أشير إلى أنني استمعتُ في مناسبات عديدة لفرق مستقلة نشأت في مصر في السنوات الأخيرة، وهناك أخرى مثلها قد نشأت بالتأكيد في بلدان عربية أخرى في لبنان وفلسطين وسورية وتونس. هذه التجارب تفرحني، حيث إنها تشعرني بأنه يوجد زخم جديد.


بطاقة
فنانة تشكيلية مصرية من مواليد 1948. بعد العمل في الصحافة، انطلقت تجربتها الفنية في الثمانينيات. تستفيد عشم الله من مفردات الحياة البسيطة وتنقلها إلى عوالم غرائبية. كان الفنان التشكيلي المصري حسين بيكار قد كتب عنها في 1991 قائلاً: "عالمها طفولي، إلا أن طفولتها ليست طفولة ساذجة، حيث تتسم لغة التعبير والتناول بأستاذية ووعي كامل بكل ما يسقطه خيالها فوق السطح حيث تجتمع البراءة والحكمة فى صعيد واحد".

المساهمون