الحب الترللي.. ثمة أمل

الحب الترللي.. ثمة أمل

29 ابريل 2017
(ميرا أبو هلال وإبراهيم نجم، تصوير:أمين صائب)
+ الخط -

لا يبدو انشغال الساحة الفنية الفلسطينية، على محدودية إنتاجها، بأغنية "الحب الترللي" (فرقة "الأنس والجام"، لحن إبراهيم نجم وغناء محمد مصطفى) مرتبطاً باحتفاء مناسباتي بكل ما يصدر حديثاً من فرقة هنا، أو مجموعة فنية هناك؛ بل ثمة مفاجأة مفرحة من نوع ما في أمر نجاح الأغنية الجديدة للفرقة الفلسطينية الجديدة نسبياً هي الأخرى.

قد يبدو مبعث الفرح في كون الأغنية إياها قد شكّلت اختراقاً لافتاً لما يمكن أن يطلق عليه "استحواذ الشركة" في بعديها التوسعي والاستحواذي على الساحة الفنية، بما ينطوي على ذلك الاستحواذ من تعليب وتشويه للذائقة العامة في المجتمع، حتى صارت الساحة الفنية - أفراداً ومجموعات - بلا تدخل من الشركات وبرامج صناعة النجوم المتلفزة القائمة على الابتزاز المادي للمشاهد وتشويه ذائقته؛ مكشوفة الظهر وفي عرضة دائمة ومباشرة للانكسار والتلاشي السريع، مما يجعل من إنتاج عمل فني بجودة عالية وبإمكانيات ذاتية متواضعة أمراً جديراً بالتوقف عنده.

بدأت القصة بمنشور على الفيسبوك تضمّن كلمات الأغنية، التي نشرها مؤلفها سامر الصالحي واستفزّ أصدقاء له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بأن يقوموا بتلحينها. تلقف التحدي ملحن العمل، إبراهيم نجم، لتخرج في النهاية عملاً فنياً منشوراً على "يوتيوب"، وفق ما ارتآه القائمون على العمل، حاصداً حتى هذه اللحظة قرابة نصف مليون مشاهدة.

لكن الأغنية الجديدة، التي تكاد تضج بعض شوارع فلسطين المحتلة بإيقاعاتها المنطلقة من نوافذ المنازل والسيارات والمقاهي كشاهد أول على الملامسة الناجحة للحس السمعي، تستند بكفاءة عالية إلى تراث حميمي في وجدان الإنسان الفلسطيني؛ تراث يتجاوز الحد الجغرافي الضيق إلى فضاء عربي أوسع يذكرنا بالإتقان الشامي أواسط سبيعينات القرن الماضي للأغنية الصباحية، التي تتسع للإنسان وآماله اليومية البسيطة.

بصرياً، ينتمي العمل إلى المشهديات الكلاسيكية في التصوير، التي لا تتطلب سرعة في التنقل بين المشاهد التي انتقاها مخرج "الكليب"، بل حافظ "الكليب" على ثبات صورة فائقة الجودة للمؤدين وتنقل هادئ بين المشاهد بتركيز واضح على الوجوه، بالإضافة إلى العناصر الإضافية، التي عززت بدورها المشهدية الكلاسيكية من خلال استدعاء أدوات كالأزياء والأثاث والأدوات الموسيقية.

ومع ذلك، لم يقدم العمل قصة مكتملة يمكن القبض عليها لا على صعيد الكلمة ولا على صعيد الصورة، بل ذهب مخرج العمل إلى التركيز بعيداً عن الانشغال بالمواءمة بين الصورة والكلمة، إلى استخدام مشاهد مصورة بزوايا وبإيقاع حركي مختلف على امتداد الكليب، لا تظهر تطابقاً تمثيلياً مع النص، وهو ما تبين في بعض المشاهد التي يظهر فيها، مثلاً، مؤدي العمل يخاطب غائباً بينما تظهر الفتاة أمام المغني في تواصل بصري عاطفي واضح.

النص بدوره يبدو أكثر ارتباطاً بالدفق الموسيقي منه إلى الترابط الموضوعي، مما أبقى الحبكتين (حبكة النص وحبكة الصورة) لمخيال المستمع المشاهد، الذي يمكن له أن يذهب في التدفق اللحني إلى مساحات تواكب امتداد المقام الغنائي، أكثر من أي شيء آخر.

ليس واضحاً إلى اللحظة ما إذا كان القائمون على العمل بصدد المضيّ بعيداً في المشروع بإضافة مجموعة جديدة من الأغاني قريباً، مجموعة تحتفظ بخيط الهوية التي تبدو ملامحها واضحة وهادئة في الأغنية الأولى، وهو ما نأمله قريباً، إذ إن ما ينتج فلسطينياً في مجمله لم يتجاوز حتى اللحظة حالة الارتهان إلى شركات الإنتاج التي أفرزتها برامج مسابقات تلفاز الواقع، ومشاريع واعدة سرعان ما ينطفئ وهجها نظراً لمحدودية الإمكانيات لدى روّادها.

المساهمون