جوناثان غوتشل: في أثر القصص

جوناثان غوتشل: في أثر القصص

25 أكتوبر 2018
(من جدارية "قاعة الثيران" في كهف لاسكو، فرنسا)
+ الخط -

يعيش الإنسان في شبكة من القصص والحكايات، يبدأ في سماعها وتداولها واستيعابها في الطفولة، فيتأثر بها ويحبها أو يكرهها، وتستمر علاقة الإنسان بالقصص مهما تقدم في العمر، فيظل يقرأها على شكل روايات أو يشاهدها في السينما أو المسرحيات أو الدراما التلفزيونية. المهم أن القصص مصدر أساسي ملهم ومسلّ ومؤثر فينا. ولكن لماذا؟

هذا السؤال يطرحه الكاتب الأميركي جوناثان غوتشل (1972) في كتابه "الحيوان الحكّاء: كيف تجعلنا الحكايات بشراً؟" الذي صدرت ترجمته حديثاً عن منشورات "تكوين" في الكويت و"العربية للعلوم" في بيروت، بتوقيع المترجمة بثينة الإبراهيم.

يعود غوتشل، المتخصص في دراسات "الأدب والتطور"، إلى قصص من الثقافة الشعبية وأخرى تاريخية وأدبية، ليستكشف الكيفية التي ساعدت بها القصة البشر على بناء شكل من التماسك الاجتماعي والهوية والذاكرة الجمعية بل وفي تطويق حياتنا الفردية بالأحلام والأمل.

غالبية القصص، وفقاً للكاتب، تركز على الصراع والمتاعب، لافتاً إلى أن الدراسات العصبية والنفسية أثبتت أن الناس يستجيبون للقصص كما لو كانوا في الواقع يعانون من الأحداث فيها ويعيشونها. من هنا تسمح لنا القصص بعيش هذه المشكلات دون مواجهة أي خطر فعلي، واكتشاف الحلول أو مشاهدة ردود الفعل المحتملة.

يعتبر الكاتب أننا أيضاً نتذكر قصص حياتنا ونبنيها بحيث نكون الأبطال فيها، وننشئ حول ذواتنا الأساطير الشخصية، مشيراً إلى أن الأبحاث النفسية الحديثة أظهرت أننا كثيراً ما نسيء فهم تجاربنا الماضية. ولكن القصص اليوم تواجه تحديات من نوع جديد وتطرح أشكالاً جديدة في ثقافة تكنولوجية دائمة التغير، لدينا اليوم العوالم الافتراضية وألعاب الفيديو، وهو موضوع يثير اهتمام التربويين وعلماء النفس والتحليل النفسي والعصبي اليوم إلى جانب الباحثين في علوم الاجتماع.

غير أن خلاصة هذا الكتاب تجنح إلى الإيمان بقوة السرد في تاريخ الإنسان الاجتماعي والثقافي، وأنها قد تصنع العظماء والطغاة مثلما حصل مع هتلر الذي يذكر الكاتب تأثره الكبير بأوبرا "رينزي" لفاغنر، والتي يعتقد كثير من الباحثين أنها أحد الأعمال التي أثرت في الزعيم النازي وشكلت شخصيته.

الكتاب الذي لقي انتشاراً واسعاً عند صدوره عام 2014، لم يسلم من انتقادات المتخصصين، حيث اعتُبر ممتعاً جماهيرياً، لكن ينقصه الكثير عندما يكون قارئه متخصصاً في التلقي الأدبي وعلاقة الأدب بالتطور.

هنا، تقول الأكاديمية ماريسا بولتوروسي من جامعة ألبيرتا: "إذا اتفقنا مع غوتشل في أننا ننجذب إلى القصص لأسباب نظرية، وأنها تؤدي وظائف تطورية، فماذا يمكننا أن نفعل بهذه المعرفة؟ لا يمكن للحجة التطورية أن تفسر علمية التلقي الأدبي، والتي تقوم على تفاعل النص والقارئ والسياق.

يحتاج القراء الذين يبحثون عن فهم أعمق لمعالجة الروايات التقليدية إلى دراسة ناقدة"، وتضيف: "لا يمكن لنا أن نلوم أو نخطّئ غوتشيل لعدم تقديم تحليل نقدي، من الواضح أن هذا ليس جزءاً من هدفه، فجمهوره المستهدف هو الفئة غير المتخصصة من القراء".

دلالات

المساهمون