ماريو بارغاس يوسا: موت الثقافة بين أيدي المهرّجين

ماريو بارغاس يوسا: موت الثقافة بين أيدي المهرّجين

18 سبتمبر 2015
يوسا في عرض مسرحي (تصوير: فرناندو كاستيو)
+ الخط -
بالرغم من عنوانه المستهلَك، لا يبدو كتاب الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا الأخير "ملاحظات عن موت الثقافة"، إعادة إنتاج لعناوين الموت والنهاية التي استُهلكت بما فيه الكفاية، بقدر ما هو محاولة لمقاربة تلك العناوين في سياق التجربة، بعيداً إلى حد ما، عن التنظير الذي كان قد أوصل الجدل حول أفق التحوّلات الثقافية إلى حالة من التجريد.

وليس من المفاجئ أن يرى يوسا ذلك الموت المزعوم للثقافة متجسّداً في طقس كوني من التهريج السياسي، فهو كاتب ومثقّف ارتبطت حياته الإبداعية بهاجس الفعل في المناخين السياسي والثقافي.

يضع الكاتب البيروفي السياسيَّ ـ المهرّجَ في مقدّمة المشهد الكوني الذي يرصده، وينطلق من أن هذا المهرّج ليس سوى تجلٍّ لواقع الثقافة المعاصرة. ففي عالم سيطرت فيه صناعة الترفيه على كل مجالات الحياة، تحوّلت السياسة إلى طقس احتفالي، وتحوّل السياسيّون إلى مهرّجين، في استعراض لا وجود فيه لأية مرجعيات أخلاقية أو ثقافية مستقلّة عن سوق الترفيه.

يتّفق يوسا، هنا، مع معظم المفكّرين الذين حلّلوا الآليات القسريّة التي تفرضها ثقافة الصورة على الوعي، وهو يتفاعل بشكل خاص مع المفكّرين الفرنسيين؛ مثل رولان بارت وجاك دريدا.

في المشهد الذي يرسمه يوسا في كتابه، تضمحل شخصية المثقف أو لعلها تغرق في ما يصفه بطوفان الصور الذي يجرف كل ما أسّسته الثقافة الحديثة من مرجعيات. إنه طوفان يجرّد العالم من المعنى ومن قابليات المعرفة لأن الصور تعمل باستقلالية عن تجربة الإنسان وخبراته الواقعية وتتحوّل إلى ضجيج بصري يُنتج آليات تغريب معقدة تُفضي إلى تلاشي الحدود بين الثقافة الراقية والثقافة الجماهيرية.

في فصل "خطاب موجز حول الثقافة"، يربط يوسا كل ما هو جماهيري وشعبي بمصطلح التجاري، ويقول "إن الثقافة الراقية تضمحلّ أمام سيطرة الثقافة الجماهيرية في أسواق صناعة الترفيه".

وفي "الحضارة المشهدية"، أحد فصول الكتاب الأخرى، يرصد آثار تلاشي تلك الحدود على الإبداع الأدبي؛ حيث يرى أن الكتابة الأدبية في الغرب لم تنج من حركة السوق، وأن الأدب أصبح إلى حد بعيد جزءاً من صناعة الترفيه، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الأدب الراقي والعميق لا يتعارض من حيث المبدأ مع فكرة الانتشار والتسويق.

ينقل يوسا إشكالية الحدود تلك إلى العلاقة بين الجمعي والفردي، ويرى أن أزمة الثقافة المعاصرة تتجلّى في تلاشي الحدود بينهما. وفي فصل "غياب الإيروتيكية"، تبدو الثقافة المعاصرة في أكثر حالاتها ابتذالاً مع نهاية الخصوصية الفردية وتحوّل الجنس في التعبيرات الثقافية إلى مادة مشهدية خالية من أي محتوى تحرّري أو ثوري.

لا تبارح هذه النبرة الرثائية فصول الكتاب بمجملها، لترسم مشهداً قاتماً لمستقبل الثقافة، انطلاقاً من عنوان فقد جاذبيته في العقود الأخيرة، فـ"موت الثقافة"، كغيره من عناوين النهايات الأخرى، لا يقدّم لنا أفقاً لمقاربة الثقافة بوصفها سيرورة متحوّلة لا يمكن إخضاعها إلى رؤى مطلقة أو إلى عناوين نهائية.

المساهمون