بين أكمَتين وسماءين

بين أكمَتين وسماءين

16 ديسمبر 2017
حسن مير/ عُمان
+ الخط -

هنا أربع قصائد لأربعة شعراء من مجموعة "ثلاثون سِدْرَةً تحرس الجبل"، وهي مختارات شعرية عمانية صدرت حديثاً في مسقط بترجمة ألمانية إلى جانب أصلها العربي.


قوارب وحبال

فتحية الصقري


أتعاركُ مع قلقي
قلقي المستذئبِ من شدَّةِ القلق
أشتمُهُ على طريقةِ المَنسيِّين في الشوارع
يشتمُني على طريقةِ مُلاّك الشقق والعقارات
نتبادلُ الصَّمت
نتبادلُ الصُّراخ
أجرحُهُ يَجرحُني
أكتبُ بدمِهِ على الجدران
قصائدَ شقية
يكتب بدمي أسماءً أخرى للحياة.
قاتلانِ متنكِّران
نصنعُ من جثثِ الكلمات
قواربَ وحبالاً
لكنَّ أشجارَ الغابةِ لا تَنقص
المشهدُ لا يتغيَّر
بعدَ غروبِ الشمسِ مباشرة
يتحوَّلُ اليوم إلى شجرة.

■ ■ ■


كَلِماتُكِ النَّباتِيّة

عبدالله الغافري


كَلماتكِ النّباتية تنمو فينا.
منذ كَلّمتِنا أول مرةٍ
صِرنا حَقلاً لِوردةِ صَوتكِ النّحيل.
كلماتكِ لَمست تُراباً في الرُّوح
كلماتُك الأولى ما زالت فينا
نتذكر كل يوم
بَراعِمك الأولى فينا
نتذكّر باستمرار.
نَشعُرُ
بكلماتِك الأولى
تسري وئيدةً باستمرار في تراب الروح
تسري خفيفةً تحت جِلدِ الروح
مثل جدولِ النَّسغِ الرّقيق في شعيرات العُشبة.
نلمس فينا أثركِ
أثركِ النّاعمَ
مثل خيطٍ رقيقٍ يحيكُ أطرافَ القميصِ إلى بعضها.

كلماتكِ النّباتيّة
تذهب فينا بهدوء وإصرار
تنتشر في أوصالنا بخفّةِ نَملةٍ صغيرة.
سنترك كَلماتكِ تتآخى مع تُرابنا الشّخصي.
نحن الآن التباسُ الحقلِ بِنَباتاتِه
متى تجيئين لكي تَحصُدينا؟!

■ ■ ■


جبال

محمد الحضرمي


(1)
هذه الجبالُ ..
أسْرارُ الطبيعةِ ولغزها
حارسَة تقفُ بشمُوخ لا تعرفُ الكَللَ
أوتادٌ في الأرض مَغروسَة منذ نِشءِ الخليقةِ
والطبيعة لا تبوحُ بأسْرارها
إلا لعَاشِق يهيمُ بين الأودِيَة
بَحثاً عن ظل باردٍ
فالهَجيرُ حَارقٌ
والرَّمضاء تأكلُ أقدامَ الوُعول.

(2)
قمَمٌ لا متناهية الأبْعَاد
تتوزَّعُ في السُّقوف كشواهِدِ القبور على الأرْض
عندها دفنت الأشباحُ مَوتاها وبنى البَاز عُشَّه
وعَوى الذئب وحيداً يطاردُ ظِله،
بين أكمَتين مُعلقتين
بيْنَ سَمَاءين.

(3)
موطِنُ الوُعول والكائناتِ الجَفولةِ
تنفر مِن رائِحَة الإنسان على بُعْدِ مَرْمَى البَصَر،
فحين تراها في قِمَّة الجَبل
تنحَدِرُ بأسْرع مِنَ الصَّوْتِ
إلى جَرفٍ آخَر أشبه بمَهاوي المَوْت.

■ ■ ■


أميرة عربية في "هامبورغ"

إبراهيم سعيد


من أين أبدأُ الحديث عنكِ
أيتها الوردة المنيرة
كان عليك أن تتبعي الحب مغمضة العينين
حتى النهاية
وأن تسيري على درب الشوكِ والآلام
بقلبٍ عارٍ
حتى تزهري وتتورّدي
وتضيء روحكِ ظلام العالم.

كنتِ وردةً غضةً في زنجبار
اقتطفكِ الحُب الكوني
وجعلك شاردةً في عدن
تتفتحين بخفَرٍ في مرسيليا
وتنزرعين بإيمان العشاق في هامبورغ
ثم طوحتكِ الرياحُ إلى لندن
وأعادتك الأشواق في السفن إلى زنجبار
وجلستِ تستريحين من سفر الحياة تحت ظلال أشجار يافا وبيروت
كتبتِ ذكريات طفولتك الساحرة
وقصص حياتك العصيبة
أكملتِ طريق العشاق وخلاصهم
ثم رقدتِ بسلامٍ أخير
في هامبورغ
بينما ما يزال قلبك ينبض
إلى الآن
مرتين دفعة واحدة
في زنجبار وعمان.

سطعَ حقلك الجميل
يا أميرة الغربة
وتحت قدميك امتدت مزرعتك الزاهية
وشجركِ المضيء
حقولاً من زهور الكلمات الصادقة
حد الجرحِ والدموع.

"سالمة المغرورة"
كسرتها الغربة وحطمتها
ظلت تفتشُ عن الهواء والشمس في ألمانيا
تحادثُ سلحفاةً أفريقيةً خرساء
وتستقبل وسط الدموع والأشواق
بحارة أفارقة غامضين
كأشواق المياه الحارة
جاؤوا ليقبلوا الأرض عند قدمي
"بيبي سالمة"
كي تعود معهم
قبل أن يغرقوا بسفينتهم في عرض البحر
لأنهم فشلوا في إعادة الوردة.

أراك تبكين بحرقة
وأنت وحيدة في عربات
قطار دارمشتات
وقد أغرقك بحر الحزن
حين سألتك المقاعد الحديدية البلهاء
عما تفعله سمو الأميرة
في عربة الدرجة الثالثة.

تحتضنين بحرارة أطفالك
وقد عادوا من يومهم الأول في المدرسة
متلهفين يسألونك
"أحقاً يا أمي أنك أميرة حقيقية؟"

إذاً لتمطر السماء الأبدية على قلبك الغريب
وعلى تراب قبرك النائي
أزهرت وردتك الأفريقية عالياً
حتى بلغت الغيوم
وعطَّرت سماء العالم.

المساهمون