مخلّد راسم.. محاكمة عراقية للانتظار

مخلّد راسم.. محاكمة عراقية للانتظار

15 اغسطس 2014
مشهد من العرض
+ الخط -

في عرضه المسرحي "انتظار"، يتلاعب المخرج العراقي مخلّد راسم (1981) بفكرة "غودو" لصموئيل بيكيت، ويجعل منها ممثّلة للزمن، في تأخيره أو تقديمه، في الإسراع به أو في إبطائه أو حتى في إيقافه لبرهة، وذلك من أجل الحصول على إجابات أربعين شخصية، عراقية وعربية وأجنبية، لمعنى الانتظار.

الانتظار هو الشخصية الحقيقية التي نشاهد تحولاتها هنا، بينما الشخصيات الإنسانية مجرد حالات لتجلياته المختلفة: الرجل المسن المنتظر في موقف الباص؛ الرجل الذي ينتظر حبيبته؛ شخص ثالث يكره هذا الانتظار؛ شاب ينتظر في مخيمات اللجوء؛ امرأة ضريرة تنتظر أن ترى العالم؛ امرأة أخرى تنتظر زيارة ابنها وهي تعيش حالة عزلة؛ فتاة تنتظر حصولها على الإقامة لثماني سنوات؛ ولثلاث عشرة سنة ينتظر شاب نهاية العطلة الصيفية ليحصل على المال بعد تسلّم ورقة السماح له بالعمل في بلد أجنبي؛ وآخرون ينتظرون السلام أو الأمن أو الموت. شواهد حقيقية تتداخل مع بعضها، ليبدو أخيراً وكأن كلّ فرد في هذه السلسلة غير المنتهية ينتظر الآخر الذي ينتظر بدوره شخصاً آخرَ، وهكذا دواليك.

يختلف هذا العرض التجريبي عن المسرح التقليدي في نقطتين أساسيتين تتعلقان بالمضمون وبالصيغة الدرامية: إذ أن الحدث في المسرح التقليدي يعكس الرؤيا من خلال منطق عقلي صارم ومتماسك، بينما تجسد "انتظار" موقف الوجود الإنساني عبر حدث لا يخضع للترتيب العقلي أو المنطق الاستدلالي. فالمسرحية تشبه التناقضات التي في الحياة وفي النفس الإنسانية، من خلال شخصيات متناقضة تتحدث عما يعتمل في دواخلها، وعن انتظارها غير المتوقع.

يحاول مخلّد عبر أعماله المسرحية العديدة التلاعب بالزمن ليعطي نفسه، وكلّ من عاش انتظاراً، فرصة جديدة ينتصر فيها على الفقدان. خلفيّة ذلك تأتي من فقدانه والده الممثل العراقي القدير راسم الجميلي، الذي دُفن في مقبرة الغرباء بدمشق، حين لم يتمكن الابن من مغادرة بلجيكا لوداعه.

يعتمد العرض على ثلاثة ممثلين، إضافة إلى ما تعرضه التقنيات التي تقدم ما يشبه بورتريهات على ورق لأربعين شخصية يقوم الممثلون بتحريكها، أو تحريك الزمن. لا يتحاور الممثلون في العرض، لكن أحاسيسهم هي التي تفعل، متجاوزين بذلك حاجز اللغات، وهو ما أعطى إمكانيات واسعة لتوظيف الحوار غير المنطوق.  أما ما يعرض على الشاشات الممزقة في أيدي المؤدّين على الخشبة، فإنه يمنح "انتظار" شكل عمل ينتمي إلى فن الفيديو (Video art) تارة، وإلى السينما الوثائقية تارة أخرى، علاوة على أنها عرض مسرحي قبل هذا وذاك.

المسرحية التي عرضت أخيراً في مهرجان "بي فيستيفال" (Be Festival) العالمي للمسرح في برمنغهام البريطانية، كانت حازت على "جائزة التجوّل الدولية" في هذا المهرجان المرموق الذي ينتقي سنوياً عدداً محدداً من الأعمال "الجديدة" و"الجريئة" و"التي لا تنسى" ليضمها إلى برنامج عروضه. وعلى أساس نيله هذه الجائزة، سينطلق عمل المخرج العراقي الشاب في جولة عروض تشمل بريطانيا وأسكتلندا وإسبانيا بدءاً من تشرين الأول/ أكتوبر حتى تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام.

مخلّد، الذي حاز العام الماضي على جائزة "أفضل مخرج شاب" في "مهرجان سالزبورغ" في النمسا عن عرضه "روميو وجولييت"، يقول لـ"العربي الجديد" عن عمله الأخير: "هو ليس انتظاري فقط، إنما انتظارات الجميع في الواقع غير المنطقي الذي لن ننتمي إليه إلا إذا توقّفت ثقافة العنف، وتحقق المعنى الحقيقي للوجود الإنساني. ذلك هو الانتظار الحقيقي الذي نحلم به".

المساهمون