كالعابر في سبيل المنسيّين

كالعابر في سبيل المنسيّين

30 يونيو 2019
(مقطع من عمل لـ خريستوفوروس آسيميس)
+ الخط -

أثينا كزغرودة بالدم

صباحاً، والهواءُ مُطَعَّمٌ بدفءِ الشمسِ،
آخذُ حقيبتي والماء وأقصدُ البحر
أقصدُ زغرودة تتلوى في دمي
تتلوى في فضاء أثينا الفلسفي
وأحاورهُ
حوار من نسوا أنّهم وحيدون...

هنالكَ هدوءٌ ينسابُ من فراغِ الأفكار
قلبٌ آخر يسيِّرُ شؤون القلبِ
شجرٌ زهري الخطى يظلِّل الروح.

أحلمُ واعياً
أرى نفسي دونَ جسدي
تسري في أثينا
وأطلُّ عليها
وأنا وحدي.

أثينا مقاماتٌ
أقصاها حبٌ
وأدناها سؤال: هل أنا ممكنٌ؟!
أستلقي على ظهرِ البحر
وأحدّقُ في الشمس، شمس الغروب:
لن تغيبي
حتى أغيب.

أثينا ملجأٌ وزفافُ هيام
الصلاةُ على كلِّ شيءٍ مرَّ ولم يمرّ.

أسبحُ
من أمواجي إلى العالم
إلى منعطفاتِ الوجود:
ماذا تريد؟!

يرفعني الملحُ في الماءِ
أردُّ التحية إلى السماء.

وجوديٌّ حتى النخاع
كلُّ طرقي تفضي إلى هدوء وعدم.
أريدُ أن أتحلَّلَ في التاريخ
فيلسوفاً حديثاً خفيفاً
يتلوّنُ كفراشةٍ
وينبضُ كأوراقِ الزيتون
أريدُ أن اسألَ: ما لبُّ الكون؟
أحفنةُ غناء؟!

أحفظُ روحي منّي
وتسرقني روحي من غيري
وأخطو على الماءِ
كالعابرِ في سبيل المنسيين...

أتجذَّرُ بأثينا
كأنَّ بها بقايا أهل لي.

أثينا كلامٌ يتجمّع عند محاورِ الفم
يصمتُ
يرقدُ نوماً عندَ شاطئِ البحر
ثمَّ لا يرى
إنْ كان هو من كانَ بي
أم أنا الذي أحلمُ...

أثينا ليست صرخة
ولا طلقة.
بقعةُ لجوء
مكانٌ لأستريحَ
حتى يبتسمَ الفجرُ على قفا القمر
وأعرفُ أنَّ الذكريات كالأمنيات
بلا هدفٍ
سوى إعادة صياغة التجربة.


■■■


حواسّ تمضي

مثل أفكارٍ على رصيفِ مشمس أسيرُ في جسدي
لامساً شغفي في غيابِ الوعي عن ردهاتِ التأمل.
أطلُّ من تعبِ الكلامِ على قوةِ الحلم
ينكسرُ الضوء المعنوي ويتلوى الطريقُ طرقاً.

لحمي شلالاتُ صمتٍ تتساقطُ على ما أرى
عيناي جسرٌ تمرُّ عليه القطارات والقرى
وتبكي عليه عاشقةٌ عصفت بها الأقدار
ولم تعدْ تسمعُ خلاصاً حتى في أصداءِ التجلي.

أشاركُ الحزنَ بالخواطرِ
أدفعُ ثمنَ ضياعي حرية.

طعمُ الحياة مرمري
وصوتها بعيد
وما أقولهُ
يكادُ لا يشبهني أبداً.

إنَّ ما أبحثُ عنه
وما يشدّني
للغةٍ على حافةِ الفراغ
تتنزهُ بين الوقتِ والشهوة
أحياناً تلفظُ معنى
وأخرى تتدحرجُ هذياناً...

وأسيرُ في حجراتِ نفسي وأتزوجُ أضدادها
أتفتحُ عند الصباحِ فتوة
وأنزلقُ عند المساءِ قلق.

نظراتي مرايا لما يراني
وروحي رفيقي إلى الأبد.


■■■


انسكابُ السماء

السماءُ تنسكبُ في ضحى ثقيل الخطى، فوضوي الإيماءات،
الطاقةُ في كلِّ مكان. المشاعرُ غيرُ معرّفةٍ، غيرُ مرئيّة.
القلبُ تلةٌ تستلقي على وسادةِ الروح، والروحُ مكانٌ يتكاثرُ.
أتجمّعُ. في ذاكرتي روائحُ قرى ودخانُ مدن. والشعرُ حرٌّ كنساءِ الغرب.
اَتألمُ كأني ذاهبٌ إلى حتفي وأكثر. ما هذا الذي لم أجرّبهُ وأشبّهُ حالتي بهِ؟
يا لإغراء اللغة وطَرقَات المشاعر. كم بكلِّ ما أرى من غبش. أضيعُ. الحبُّ عدمٌ مؤكد.
يا لكثافةِ الشمسِ في العيونِ المُنِيرة بزيتِ الأحلام.
نفسي ساحةُ حربٍ والجنودُ فيها منهكون.
أتبعثرُ في دروبِ الله. كلامي لغمٌ سيتفجرُ عندَ أولِ امتحان.
أأتقدمُ؟! هنالكَ موتى في كلِّ أصواتي.
أأتراجعُ؟! هنالكَ صمتٌ قاتلٌ يحدّقُ بعينيَّ.
عروقي مبلّلهٌ بماءِ الكلام والوهمُ يسبقني بأميال.
يا آخر الدنيا في جسدٍ تربى على ذوبانِ الحقيقة: ماذا عساكَ تريدُ؟
بالأمسِ، كنتُ هادئاً وكانَ كلّ شيءٍ يوحي بالأمان،
الآن أكافحُ من أجلِ عودتي إلى نفسٍ لا تحمّلني ما لا طاقة لي به.
ربما تتكوّنُ الأشياء منّي ومن غيري، وَتَكونُ نفسي ذروة زواجٍ غير مُعْلَن.
كلُّ الدروبِ ملاجئ، وأنا عاشقٌ مسّتهُ مفاتنُ الكون.
هل بيَ حكمةٌ مما كان وسيكونُ،
وينقصني نهجُ الغناء...؟


* شاعر وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

دلالات

المساهمون