فاتح المدرس.. وحوش دخلت إلى اللوحة ولم تغادرها

فاتح المدرس.. وحوش دخلت إلى اللوحة ولم تغادرها

27 أكتوبر 2018
فاتح المدرس/ سورية
+ الخط -

شكّلت هزيمة حزيران/ يونيو 1967 محطّةً مفصلية في تجربة الفنان السوري فاتح المدرّس (1922 - 1999)، حيث تسّربت إلى لوحته تلك الكائنات الممسوخة، والتي وصفها ذات يوم بـ"الوحوش"، ولم تغادرها حتى رحيله، إذ ظلّت شاهدةً على انحطاط مرحلة ومجافاتها للمنطق.

لم يغب السياق الاجتماعي والسياسي عن أعمال المدرّس منذ بدايتها، حيث كانت بداياته في الخمسينيات بمشاهد من قريته حربتا في ريف حلب، بواقعية تعبيرية يَظهر في بعضها جسد الفلاحة ممسوح الملامح ملتحماً بجذع شجرة معمّرة.

لفترة، توجّه معظم أبناء جيله إلى محاكاة الواقع ومحاولة توظيف التراث السوري.
ولم يكن المدرّس بعيداً عن هذه الأجواء، لكنه قرّر أن يُقدّم الأساطير والقصص الشعبية بلغة تصويرية سريالية وجريئة تطرح مفاهيم ومضامين جديدة في مقدّمتها مواجهة الهزيمة باعتبارها قدَراً جماعياً، وكذلك الأنظمة المستبّدة التي رأى فيها نقيضاً للناس والحب.

ضمن مراحل تجريبه التي لم تتوقّف، رصد طقوس التصوّف التي تظهر في عدد من لوحاته مثل "ملاخانة" (1987) التي تتناول رقص الزار، حيث تبرز رؤوس الراقصين وكأنها تتطاير في الهواء وأيديهم تتبعثر هنا وهناك، يشبهون أعمدة حمراء وسوداء وزرقاء غير متناسقة تبدو ساكنة لسرعة دوران كل منها على ذاته.

هكذا، رسم الفنان تلك اللحظة التي يبلغ فيها الوجد بالجسد مبلغه، وهي مساحة يتمثّلها معرض "فاتح المدرِّس: اللون والامتدادية والحسّ" الذي يتواصل في "المتحف العربي للفن الحديث" في الدوحة حتى السادس عشر من شباط/ فبراير المقبل.

يسلّط المعرض الضوء على "القيمة الكامنة لما هو غائب أو مخفيّ أو غير مرئي في أعماله التي يمكن أن تُقرَأ باعتبارها دمجاً بين تياري الصوفية والسريالية، ليتحوَّل المدرِّس بفضل ذلك إلى فنّان عابر للثقافات ومنخرط في سياق السريالية العالمية التي تبلورت كتيار فكري دولي يتجاوز حدود عالَمي الشرق والغرب"، بحسب المنظّمين.

تُقّدم اللوحات المعروضة مجموعة مختارة من لوحات فاتح المدرّس بدءاً من أواخر خمسينيات القرن العشرين حتى تسعينياته، والتي تجمع الفكر التجريدي والمفاهيمي والفلسفي، حيث تمّ اختيار الأعمال باعتبارها ركائز لإطلاق حوار بخصوص الدور الذي تلعبه سورية القديمة والحديثة، واستقصاء التحوُّل من الريف إلى حياة المدن الصناعية، وكشف أغوار الصراع الإقليمي خلال عقد الستينيات المضطرب.

المتأمل لمجمل تجربة المدرّس يلمس ارتباطها الوثيق بتحوّلات المجتمع السوري وبالمتغيرات العاصفة في المنطقة العربية كالحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية؛ العناصر الأساسية التي يتتبّعها المعرض في قراءة تعويضية لما يحدث اليوم في سورية.

دلالات

المساهمون