إنها فعلاً غرابيب سود

إنها فعلاً غرابيب سود

15 يونيو 2017
من "غرابيب سود"
+ الخط -

مع بداية رمضان من كل سنة، يعود الحديث الإعلامي مكثفاً، حول الإنتاجات الدرامية التلفزيونية العربية، وهو في الغالب مجرّد ضجيج بلا نقد كأنما هو جزء من المزاج الاستهلاكي العام.

وخلال سنوات ما بعد الثورات والانتفاضات العربية، أصبحت الأعمال التي تتناول الأحداث وتبعاتها ميداناً للتجاذب السياسي ولتمرير بروبغندا سياسية، خصوصا تلك التي تتناول الصراع المسلّح الذي آلت إليه الأوضاع في المسألة السورية.

فمسلسل "غرابيب سود" الذي يعرض هذه السنة، بتمويل وبث خليجي لشبكة إعلامية سعودية (إم بي سي)، لاقى رفضاً واسعاً ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، لأسباب منها أنه يقدّم وجهة نظر هي أقرب إلى دعاية مجانية للنظام السوري، ليصبح التركيز بشكل أساس على الدفع بالمتلقي إلى فهم المسألة السورية اليوم على أنها مجرّد صراع ضد الجماعات المسلحة المتطرفة المشوِّهة للدين، لا أصل الصراع الحقيقي المتعلّق بتحرر الشعب السوري من الاستبداد.

وهذا العمل ليس جديدا أبداً على الدراما العربية، والسورية منها بالخصوص باعتبارها الأكثر تسيّساً (بمعنى الانحياز الدعائي، لا الالتزام) في السنوات الأخيرة، بل يأتي استمراراً لنهج ابتدأ وتواصل بنجاح في التأثير على المنحى الإنتاجي سوريّ الحرفة، خليجي التمويل (سعودي وإماراتي غالباً)، وبوجهة نظر أقرب كثيراً للنظام السوري. فأعمال كـ "حلاوة الروح" لشوقي الماجري وغيرها بدأت ذلك منذ سنيّ الثورة السورية الأولى غير أنها لم تكن باجتزاء وفضائحية واختزال "غرابيب سود" الذي يعرض هذه السنة.

ويختزل تصوير الصراع في أعمال، أولاً من خلال تعويم ثنائية المقاوِم والمقاوَم، ففي كثير من الأحيان يكون المقاوِم ضميراً مستتراً أو يتم تعويضه بمقاوِم متخيَّل، والقصد هنا اللعب على استبدال الأدوار، فإذا أخذنا الحالة السورية بعد 2011، المثال الذي يُفترض فيه أن يكون النظام السوري الطرف المقاوَم من طرف شعب مقاوِم يريد حريته وحقوقه وتحقيق الأهداف التي تحرّك أو ثار من أجلها؛ في حين يجري التلاعب بكل ذلك لتقديم المقاوَم مختزلاً في الجماعات "الإرهابية" المسلّحة، فيما تصبح مقاومة الشعب السوري للنظام واضطهاده من قبل الأخير هامشاً وصورة خلفية ضبابية.

كما يعيدنا العمل (غرابيب سود)، الذي يعيد إنتاج وإحياء دعاوى "جهاد النكاح"، وغيرها من متطلبات الدعاية التي قد تجد استناداً غير دقيق في الواقع، الى تصوير المرأة عموما في الدراما العربية، خصوصا في أوقات الصراع. تتحوّل المرأة نفسها هنا الى "أرضية للصراع"، في من له حق امتلاكها أو توظيفها أو استغلالها، أو حتى إنقاذها! إلى حد يظهرها وكأنها مساحة للتدافع.

كما أنها تبدو مجازًا للأرض المغتصبة أو الوطن المشتعل والمتضارب عليه، وتصبح "عِرْضاً" يجب الحفاظ عليه جنباً الى جنب مع الدين والوطن، ولا يعدو الصراع عليها سوى كونه نوعاً من الصراع حول الأرض والوطن، أو الصراع حول الأحقية في الامتلاك والتمثيل.

بطبيعة الحال، لا يمكن أن تكون الدراما التلفزيونية وثائق تأريخية، ولا حتى أعمالاً توثيقية للحاضر، فهي لا تعدو أن تكون محاولة لإعادة تأطير سردية ما إما بهدف "الأسطرة"، وإعادة تصوير التاريخ بما يرضي الجهة المنتجة، ويداعب الشعور الشعبي، أو بغرض "الدعاية" لجني مكاسب سياسية في الحاضر، ودعمها بتأييد (أو تحييد) شعبي.

فالمعالجة الدرامية المفترَضة والمجتزَأة عرضٌ للواقع من زاوية معينة؛ قد تكون مختلقة أو مبالغا فيها، للتعبير عن وجهة نظر بعينها. أما في حالة "غرابيب سود" وأضرابه، فهي لا تزيد عن كونها أداة دعاية فجة.

المساهمون