مصطفى صفوان.. أعراضُ عمليّة تلقٍّ مكبّلة

مصطفى صفوان.. أعراضُ عمليّة تلقٍّ مكبّلة

29 اغسطس 2017
مصطفى صفوان
+ الخط -

في كل ثقافة ثمة كتاب يعدّ مرجعياً في مجاله، يصفه من بداياته إلى مخرجاته ويفتح على كل قضاياه، وهو عادة عمل يلبّي في الوقت نفسه اهتمامات المتخصّصين وعامة القرّاء على تباينها.

في فرنسا، يعدّ كتاب "التحليل النفسي.. علماً وعلاجاً وقضية" لعالم النفس المصري مصطفى صفوان (1921) ذلك الكتاب المرجعي في مجال التحليل النفسي، وفيه يعرض مسارات تطوّره وخباياه وكواليسه برؤية مبسّطة دون إهدار البعد العلمي، مع تقديم قراءات في مختلف المفاهيم والقضايا والسجالات حولها.

في بداية صائفة هذا العام صدرت الطبعة السابعة من هذا الكتاب عن منشورات "فوليو" التي تُعنى بإصدار طبعات شعبية واسعة الانتشار. وهي عناصر تُظهر جماهيرية هذا العمل من جهة، ومن أخرى المكانة الخاصة التي يحظى بها مؤلفه في داخل "الجماعة العلمية" للتحليل النفسي في فرنسا، وهي مكانة حازها باعتباره أحد أبرز وجوه المدرسة اللاكانية، وبالتالي الفرنسية في التحليل النفسي، علماً أن صفوان كان المستأمن على جمع وإعداد محاضرات لاكان (أستاذه الراحل عام 1981 الذي لم يكن يحتك بالناشرين) حين دعاه مسؤولو دار النشر "سوي" إلى تجميعها في كتاب صدر في 2001 بعنوان "لاكانيانا".

لكن كيف هو حضور مصطفى صفوان في الثقافة العربية؟ يصعب أن نجد ما يقابل نجوميته الفرنسية في العالم العربي، وإن كان يُعترف له بريادته المعرفية، حيث يصنّف مع كبار المفكرين العرب الذين شقوا طريقهم في عالم المعرفة الغربية مع إدوارد سعيد وأنور عبد الملك وسمير أمين.

كتاب "التحليل النفسي.. علماً وعلاجاً وقضية"، كان قد ترجم السنة الماضية إلى العربية (تعريب: مصطفى حجازي، عن "هيئة البحرين للثقافة والآثار") وتقريباً لم يوضع تحت دوائر الضوء بما يوازي سمعته الفرنسية. وهو أمر يشير إلى خلل ما في التلقّي داخل ثقافتنا العربية، ونفس الإشكالية تواجهها أعمال أخرى معرّبة أو وضعها صفوان بالعربية مباشرة مثل "الكلام أو الموت" (ترجمة حجازي أيضاً) أو "إشكاليات المجتمع العربي" (بالاشتراك مع عدنان حب الله).

قد يكون الأمر بالنسبة لبعضهم مجرّد ضريبة يدفعها مفكّرون اختاروا لأسباب معرفية في الأساس لغة الآخر لمواصلة مشوار التفكير والبحث، ولكن قد يكون أيضاً عرَضاً من أعراض تكبّل تلقّي التحليل النفسي في منطقتنا لتصادمه مع الكثير من المعتقدات السائدة، وقد يكون الأمر أبسط بكثير فمنظومة النشر والبحث العلمي على مسافة كبيرة من التداول الشعبي في كل البلاد العربية، ولن يكون مصطفى صفوان استثناء.

المساهمون